01 نوفمبر 2024
الخلل في العلاقات الأميركية الإسرائيلية
إذا كان للخلاف العلني الأميركي - الإسرائيلي النادر من فوائد، فإن أهمها على الإطلاق ستكون تَعْرِيَةِ اختلال أسس العلاقة بين الطرفين لصالح إسرائيل، على الرغم من أن المنطق يفترض أن تكون الصورة معكوسة. التراشق السياسي، أخيراً، بين إدارة باراك أوباما، من ناحية، وحكومة بنيامين نتنياهو وحلفاء إسرائيل في واشنطن، من ناحية أخرى، جاء نتيجة مترتبة على امتناع إدارة أوباما، في 23 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عن استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد القرار 2334، والذي دان بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وعدَّها غير شرعية، وتشكل عقبةً في طريق "حل الدولتين". اعتبرت إسرائيل وحلفاؤها أن موقف إدارة أوباما "المخزي" إنما هو "طعنة في الظهر"، و"كمين وقح"، إذ حسب نتنياهو، فإن أوباما هو من يقف وراء تقديم القرار في مجلس الأمن، والذي صوّت لصالحه 14 عضواً، في حين امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت. المثير، هنا، أن هذا القرار غير الملزم، تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، لا السابع، لم يثر غضب إسرائيل وزعماء المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة فحسب، بل إن أعضاء في الكونغرس من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، تسابقوا على استرضاء إسرائيل وانتقاد إدارة أوباما، وذلك على الرغم من أن الإدارات الأميركية المتعاقبة من الحزبين دائما ما تحفظت على بناء مستوطنات يهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد الرابع من حزيران/ يونيو 1967. أيضا، لم يفوّت الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، الفرصةَ ليقطع، مرة أخرى، مع الأعراف السياسية الأميركية المستقرة منذ عقود طويلة، فكان أن دخل على خط الجدل، على الرغم من أنه ليس رئيساً منصّباً بعد، مخطّئا إدارة أوباما، ومعلناً أن ما بعد العشرين من الشهر المقبل، أي بعد توليه الرئاسة، سيكون مختلفاً عما قبلها لناحية العلاقة مع إسرائيل.
الأغرب من ذلك كله أن تجد إدارة أوباما نفسها مضطرةً للدفاع عن نفسها أمام هجوم دولةٍ
صغيرةٍ، تعتاش على المساعدات والدعم الأميركيين، فالبيت الأبيض نفى بشدة أن يكون وراء تقديم مشروع القرار في مجلس الأمن، في حين خرج وزير الخارجية، جون كيري، بخطاب، حذر فيه من أن "حل الدولتين" في خطر، من دون أن ينسى أن يذكّر إسرائيل بأن إدارة أوباما أكثر إدارة قدمت مساعدات مالية وعسكرية لها. بل إن كيري شدّد على أن معارضة الولايات المتحدة بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية يأخذ في اعتباره أن ذلك في مصلحة إسرائيل، فخنق إمكانية تجسيد "حل الدولتين" قد يعني أن الوضع سيسير باتجاه دولةٍ واحدة، ما يعني أن إسرائيل ستخسر صبغتها "اليهودية الديمقراطية"!
لا يهدف هذا المقال إلى شرح الأسباب وراء امتناع إدارة أوباما عن استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، كما جرت العادة، بقدر ما يهدف إلى توصيف بعض ملامح اختلال العلاقة بين الطرفين على حساب المصالح الأميركية. وبالمناسبة، ليست إدارة أوباما أول إدارة تمتنع عن استخدام حق النقض في مجلس الأمن، إذ سبقتها إدارات سابقة إلى ذلك، بما فيها جمهورية، كإدارتي رونالد ريغان وجورج بوش الابن. بعد صدور قرار 2334 عن مجلس الأمن، هاتف نتنياهو كيري ووبخه، وكان مما قاله له: "الأصدقاء لا يأخذون أصدقاءهم إلى مجلس الأمن". بل ذهب إلى أبعد من ذلك إلى حد تهديد إدارة أوباما، ضمنياً، بأن حكومته تملك "أدلةً دامغة" على تورّطها في صياغة القرار وتقديمه في مجلس الأمن، وهي "الأدلة" التي قال إنه سيقدمها لترامب بعد توليه الرئاسة.
المفارقة هنا أن نتنياهو الذي يفترض من إدارة أوباما معايير للصداقة الأميركية - الإسرائيلية ينبغي الالتزام بها، يتحدّث وكأن دولته احترمت هذه المعايير يوماً. يتحدث وكأن دولته لم تسفك دماء أميركية، بدءاً من الهجوم المتعمد الذي شنته طائرات دولته الحربية على البارجة البحرية العسكرية الأميركية (يو أس أس ليبرتي) في البحر الأبيض المتوسط، في الثامن من يونيو/ حزيران 1967، وقتل فيه 34 بحاراً عسكرياً أميركياً، وجرح أكثر من 171، وهو الهجوم الذي تسترت عليه الولايات المتحدة، وذهبت فيه أرواح جنودها ودماؤهم هدرا. هو لا يحدّثنا عن تجسس إسرائيل على الولايات المتحدة، بل وتجنيد يهود أميركيين للقيام بمهمة التجسس على البلد الذي يحملون جنسيته. كما أنه لا يحدثنا عن محاولات دولته الحثيثة لسرقة تكنولوجيا أميركية حسّاسة، أو بيع بعض أنواع تلك التكنولوجيا إلى منافسين للولايات المتحدة كالصين. أيضا، يتغاضى نتنياهو عن تدخله الشخصي الوقح في شؤون أميركية داخلية، مثل دعمه الضمني، عام 2012، المرشح الجمهوري ميت رومني، ضد أوباما، أو مخاطبته الكونغرس الأميركي العام الماضي، بدعوةٍ من الجمهوريين، لإفشال مساعي إدارته في إقرار مشروع الاتفاق النووي مع إيران. وها هو اليوم يحرّض ترامب على أوباما.
في معرض تعليقه على قرار 2334، شنَّ رئيس المنظمة الصهيونية الأميركية، مورتون
كلاين، هجوما على أوباما، ووصفه بـ "الكاره لليهود والمعادي للسامية"! لكن كلاين هذا وأمثاله لا يملكون ذرّة من المصداقية والأخلاق، ليعترفوا بأن هذا "الكاره لليهود والمعادي للسامية" هو نفسه من رفع قيمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل من 3.1 مليارات دولار سنوياً إلى 3.8 مليارات دولار سنويا، بقيمة 38 مليار دولار على مدى السنوات العشر المالية ما بين 2019-2028. بل إنك لن تسمع من هؤلاء شكراً للرجل الذي ساعد الدولة العبرية على تطوير "القبة الحديدية" للتصدّي لصواريخ المقاومة الفلسطينية، كما أن إدارته حمت إسرائيل من قراراتٍ عديدة في مجلس الأمن الدولي سابقا. ولكن، إذا كان من المفهوم أن تأتي مثل هذه المواقف من أمثال كلاين، من اليهود الصهاينة الأميركيين، من جماعة "الولاء المزدوج"، ممن يقدمون مصالح إسرائيل على مصالح الولايات المتحدة، فكيف يمكن أن نفسر أن يضع مسؤولون منتخبون من الشعب الأميركي مباشرة مصالح إسرائيل قبل مصالح الولايات المتحدة؟ أليس هذا تماماً ما يفعله ترامب، مثلا، عبر تلميحاته عن عزمه على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، في مخالفةٍ لعرف دبلوماسي أميركي عمره يزيد على العشرين عاماً، لما قد يترتب عليه من تداعيات تضر بالأمن القومي الأميركي ومصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط؟
باختصار، السواد الأعظم من أعضاء الكونغرس الأميركي يضعون مصالح إسرائيل قبل مصالح ناخبيهم، بل وحتى قبل مصالح الولايات المتحدة، والسبب يعود إلى اختلال العلاقات لصالح إسرائيل، وسطوة لوبيها وحلفائه في واشنطن.
الأغرب من ذلك كله أن تجد إدارة أوباما نفسها مضطرةً للدفاع عن نفسها أمام هجوم دولةٍ
لا يهدف هذا المقال إلى شرح الأسباب وراء امتناع إدارة أوباما عن استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، كما جرت العادة، بقدر ما يهدف إلى توصيف بعض ملامح اختلال العلاقة بين الطرفين على حساب المصالح الأميركية. وبالمناسبة، ليست إدارة أوباما أول إدارة تمتنع عن استخدام حق النقض في مجلس الأمن، إذ سبقتها إدارات سابقة إلى ذلك، بما فيها جمهورية، كإدارتي رونالد ريغان وجورج بوش الابن. بعد صدور قرار 2334 عن مجلس الأمن، هاتف نتنياهو كيري ووبخه، وكان مما قاله له: "الأصدقاء لا يأخذون أصدقاءهم إلى مجلس الأمن". بل ذهب إلى أبعد من ذلك إلى حد تهديد إدارة أوباما، ضمنياً، بأن حكومته تملك "أدلةً دامغة" على تورّطها في صياغة القرار وتقديمه في مجلس الأمن، وهي "الأدلة" التي قال إنه سيقدمها لترامب بعد توليه الرئاسة.
المفارقة هنا أن نتنياهو الذي يفترض من إدارة أوباما معايير للصداقة الأميركية - الإسرائيلية ينبغي الالتزام بها، يتحدّث وكأن دولته احترمت هذه المعايير يوماً. يتحدث وكأن دولته لم تسفك دماء أميركية، بدءاً من الهجوم المتعمد الذي شنته طائرات دولته الحربية على البارجة البحرية العسكرية الأميركية (يو أس أس ليبرتي) في البحر الأبيض المتوسط، في الثامن من يونيو/ حزيران 1967، وقتل فيه 34 بحاراً عسكرياً أميركياً، وجرح أكثر من 171، وهو الهجوم الذي تسترت عليه الولايات المتحدة، وذهبت فيه أرواح جنودها ودماؤهم هدرا. هو لا يحدّثنا عن تجسس إسرائيل على الولايات المتحدة، بل وتجنيد يهود أميركيين للقيام بمهمة التجسس على البلد الذي يحملون جنسيته. كما أنه لا يحدثنا عن محاولات دولته الحثيثة لسرقة تكنولوجيا أميركية حسّاسة، أو بيع بعض أنواع تلك التكنولوجيا إلى منافسين للولايات المتحدة كالصين. أيضا، يتغاضى نتنياهو عن تدخله الشخصي الوقح في شؤون أميركية داخلية، مثل دعمه الضمني، عام 2012، المرشح الجمهوري ميت رومني، ضد أوباما، أو مخاطبته الكونغرس الأميركي العام الماضي، بدعوةٍ من الجمهوريين، لإفشال مساعي إدارته في إقرار مشروع الاتفاق النووي مع إيران. وها هو اليوم يحرّض ترامب على أوباما.
في معرض تعليقه على قرار 2334، شنَّ رئيس المنظمة الصهيونية الأميركية، مورتون
باختصار، السواد الأعظم من أعضاء الكونغرس الأميركي يضعون مصالح إسرائيل قبل مصالح ناخبيهم، بل وحتى قبل مصالح الولايات المتحدة، والسبب يعود إلى اختلال العلاقات لصالح إسرائيل، وسطوة لوبيها وحلفائه في واشنطن.