إعدام نهلة

21 ديسمبر 2016
+ الخط -
للمرة الأولى، لا أتفق مع مؤسسات حقوق الإنسان، ولا مع المنظمات النسوية في نشاطاتها ودعواتها، والتي تطالب، هذه المرة، بوقف حكم الإعدام بحق أول قاتلة لزوجها في غزة، والنظر في الاستئناف الذي تقدّم به المحامي المنتدب للمرافعة في قضيتها، بعد إحجام عائلتها عن توكيل محامٍ يدافع عنها، لأن إعدام نهلة سيكون خلاصاً لها، فلم يتساءل أحد من المطالبين بوقف قرار إعدامها عن المصير الذي ينتظرها، لو بقيت في السجن سنوات طويلة، كما غيرها ممن دينوا بجرائم قتل، وخففت الأحكام بحقهم إلى السجن، بدلاً من الإعدام.
ولنسأل السؤال الثاني، وهو البعيد عن الحلم والخيال: ماذا لو خرجت نهلة من السجن، بعد تفهّم المحكمة ظروفها، وبأنها كانت مضطهدة ومظلومة، وبأن زوجها قتلها ألف مرة، وأقدمت هي على قتله مرة، وبأنها ضحية، وليست جانية، فأي مصيرٍ ينتظر نهلة في قرية صغيرة هي قريتها، والتي تحكمها العشيرة، وتكبّلها الأعراف والتقاليد الموروثة منذ قرون، ومن أهمها أن المرأة كبش فداء في كل مصيبةٍ، حتى حين تقتلها طائرات الاحتلال، وتغفل عن زوجها الراقد إلى جوارها، فهم يوارونها الثرى، ويردّدون، فيما بينهم، أنهم سعداء، لأن الموت قد اختارها، وترك رب العائلة الذي ربما كان لا يفعل شيئاً في حياته سوى ضربها وتعنيفها، وإرسالها إلى مركز توزيع المساعدات التابع لوكالة الغوث (أونروا)، لكي تقف في صف طويل، وتستلم الأرز والطحين للأسرة نيابة عنه.
نهلة هي أول امرأة في غزة يصدر بحقها حكم الإعدام شنقاً منذ عشرين سنة، وقد أقدمت على قتل زوجها مع سبق الإصرار والترصد، حيث استدرجته إلى منطقة نائية، بعد أن حملها على عربة كارو يملكها، وطعنته بسكين اشترتها عدة طعنات في ظهره، وقد برّرت جريمتها أنها لم تعد تحتمل قسوته وظلمه واعتداءه عليها، وقد ألقت الشرطة القبض عليها بعد أيام من ارتكابها الجريمة، وحرمت من رؤية طفلها الوحيد منذ ذلك الوقت (يناير/ كانون الثاني 2016)، حيث تسلمته عائلة والده.
ما زلت أكرّر أن الجريمة لا تبرّر، وأننا لو برّرنا جريمة القتل، فسوف تتحول الحياة إلى غابة، والمطالبة بتخفيف الحكم على نهلة، لأنها امرأة معنّفة، ليس سبباً وجيهاً لكي يحدث ذلك، لأن نهلة واحدة من آلاف النساء المعنّفات في غزة، وهناك آلاف أخريات في باقي أنحاء فلسطين، وفي كل دولة عربية، وحتى في أنحاء العالم أجمع، فهل نبيح لكل امرأةٍ تتعرّض للظلم والاضطهاد من زوجها أن تقتله، ثم نطالب بتخفيف العقوبة عنها، ونحن قد وقفنا صامتين أمام ما تتعرّض له طوال حياتها، منذ أن تصرخ صرختها الأولى في الحياة، فتبتئس الأم، لأنها جاءت أنثى، ويسودّ وجه الأب لذلك، وتعامل بأنها مخلوق من الدرجة الثانية، حتى يأتي الولد في العائلة، فتظلم وتقهر على حسابه، وتعيش حياتها من أجل راحته، بدءاً من تسخين الطعام له في غياب أمه، وحرمانها من التعليم لتوفير المصروفات لتعليمه، ثم تنتقل إلى وصاية الزوج، وتقديم الولاء والطاعة له، وتحمّل قهره وإذلاله، حتى حين يتزوج بأخرى، ويتركها بلا حقوق، ولا رعاية، لمجرد أنه "ظل راجل ولا ظل حيطة"؟
لو كانت نهلة تنحدر من عائلةٍ ثرية، لكان ممكناً أن تجمع لها عائلتها مبلغ الدية الشرعية، ويتم التوصل إلى صلح مع عائلة الزوج، كما تقتضي الأعراف، وتسلم الحكومة الأمر للصلح العشائري، وترفع يدها من القضية، ولكنها عاشت في فقرٍ مدقعٍ لعائلةٍ، ليس لها صيت ولا شأن. ولذلك، لم تجرؤ عائلتها حتى على طلب السماح لها برؤية ابنها وهي في السجن، ولا حتى توكيل محامٍ للدفاع عنها، وصدور حكم الإعدام بحقها أزاح هماً ثقيلاً عن عائلتها التي ربما تصبح مهدّدةً بدوّامةٍ لا تنتهي من الثأر بين العائلتين، في حال بقائها على قيد الحياة، أما طفلها الوحيد فسوف يكبر يوماً، وسوف يحدّثه كثيرون عن أمه القاتلة، ووالده الذي كان عظيماً...
سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.