الحكومة المغربية... ما وراء الانحسار؟

03 ديسمبر 2016

بنكيران... فشل بتشكيل الحكومة (22/10/2016/فرانس برس)

+ الخط -
في غضون الأسبوع المقبل، ستكون قد مرت بالتمام مدة شهرين على تاريخ إجراء الانتخابات التشريعية أخيراً في المغرب، من دون أن ينجح، عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المكلف من الملك في تشكيل أغلبيته البرلمانية.
يرتبط التعقد في مسار تشكيل الحكومة المنتظرة، من جهة، بآثار النظام الانتخابي النسبي؛ والذي يشجع وصول عدد كبير من التنظيمات السياسية إلى مجلس النواب، ويفرض تشكيل الحكومات عبر اللجوء إلى ائتلافات واسعة، ومن جهة أخرى، بأعطاب الحياة الحزبية، حيث استقلالية القرار ليست أمرا محسوما، وحيث الأحزاب السياسية تفضل انتظار نتائج الانتخابات للبت في مسألة التحالفات.
لكن هذا التأخر الذي وجدت له الصحافة الوطنية عنوان "الانحسار"، يمكنه كذلك، وبشكل مفارق، أن يقرأ دليلاً على تحولاتٍ عميقةٍ تخترق بصمت، وبعمق في الوقت نفسه، الحياة السياسية والدستورية المغربية.
ذلك أن الأمر يتعلق، في النهاية، بتمرين حقيقي لممكنات التأويل البرلماني للنظام السياسي، حيث تشكيل الحكومة، يصبح مسألة أحزاب وتحالفات ونتائج انتخابات واختيارات الإرادة الشعبية. ما يعني عودة إلى السياسة والقرار الشعبي إلى منطقة ذات حساسية خاصة في هندسة توزيع السلطات، ظلت حكرا على تقدير القرار السيادي، وعلى الأجوبة التكنوقراطية.
خلال هذا التمرين، لاحظنا كيف أن دمقرطة التداول العمومي أبطلت السحر الذي طالما غدا تناول الأنتلجنسيا القانونية للوثيقة الدستورية، وكيف أننا عشنا حالة تملك عمومي واسع لمقتضيات القانون الأسمى، وهو ما يعني تقدماً كبيراً في اكتساب الثقافة القانونية والدستورية للمواطن.
في السياق نفسه، تابعنا تزايداً للطلب الواسع للرأي العام على تعميم تفاصيل المفاوضات وخبايا اللقاءات الحزبية، وهو ما أفضى إلى حالة تورط أكبر للسياسيين في شرط الشفافية، ليس بالمعنى المتعلق بسهولة الحصول على المعلومات. ولكن، أكثر من ذلك، بالمعنى الذي أصبح فيه الرأي العام فاعلاً له تأثير متزايد على الأحداث والوقائع، بحيث لم يعد القرار السياسي قادراً على تجاهله.
في العمق، كانت السياسة تتحوّل، شيئاً فشيئاً، من معارك ومفاوضات وتسويات، تجري في دوائر مغلقة بين محترفي التنظيمات الحزبية، وبين ممثلي الدولة، لتصبح تفاعلاتٍ عمومية/ علنية وسط الساحة العامة.
إنها السياسة المغربية التي ظلت تعرف بالأساس ترتيبات فوقية، باتت تستعيد قدرتها الجزئية على صناعة المفاجأة، حيث نعرف أين ننطلق، ولا نعرف إلى أين سنصل. نعرف مواقف الفاعلين واتجاهات موازين القوى، لكننا لا نعرف شكل المخرجات وطبيعة التفاعلات النهائية.
هي السياسة، إذن، وقد أصبحت نسبياً أكثر تحرّراً من ثقل "الإدارة"، وأكثر قرباً من منطق "الإرادة".
حيث "الميكيافيلي الصغير" (الموجود في الافتراض أو الواقع) والذي يدبر، من وراء ستار، خيوط اللعبة ورقعتها، حركات اللاعبين وسكناتهم، لم يعد قادراً على ضبط كل إيقاع العملية السياسية.
ذلك أن التقاليد السياسية المطمئنة لصلابة الشرعيات النازلة من "فوق"، أصبحت تتعايش مع نمطٍ جديد من الشرعيات الصاعدة من "تحت". وبشكل تدريجي، أصبحت الحياة السياسية تتحرّك من دائرة التدبير التقديري، المتوفر على هوامش واسعة من الخيارات والبدائل، إلى دائرة الشكلانية المقيدة بالمساطر والنصوص والقانون، والملتزمة بحدٍّ أدنى من قواعد الشرعية.
السبب في ذلك أن المساحة بين ما تريده الدولة وما يسمح به المجتمع أصبحت أكثر حركيةً ودينامية.
2243D0A1-6764-45AF-AEDC-DC5368AE3155
حسن طارق

كاتب وباحث مغربي