ترامب هزم الاستطلاعات أيضاً

10 نوفمبر 2016
+ الخط -
... وانتخب دونالد ترامب رئيساً. وهذه لحظة تاريخية أخرى، تأتي بعد تاريخية انتخاب أول رئيس أميركي أسود، فالأمة التي انتخبت أول رئيس أسود في تاريخها، قبل ثماني سنوات، انتخبت رئيساً متعصباً، وعنصرياً يوم أمس، والمفارقة هنا، أنه انتخب بسبب تعصّبه وعنصريته، إضافة إلى عوامل أخرى معقدّة.
يعكس انتخاب ترامب فشلَ النخب السياسية والإعلامية في الولايات المتحدة، فالإعلام الأميركي فشل مرتين. الأولى في عكس توجهات الشعب الأميركي الذي انتخب ترامب في النهاية، بينما اعتبر الإعلام فوزه مستبعداً. كانت أغلب استطلاعات الرأي تظهر فوز هيلاري كلينتون، على الرغم من تغيرات العشرة أيام الأخيرة مع فتح مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي أي) ملفات إيميلات هيلاري مرة أخرى. بين 21 استطلاعاً للرأي قبل يوم الانتخابات، نشرها موقع "ريل كلير بوليتكس"، رجّح اثنان فقط فوز ترامب.
فشل الإعلام في عكس تنوع الأميركيين، خصوصاً الذين يعجبهم خطاب ترامب العنصري والمتعصب، فالإعلام الذي يحفل بالتعددية هنا عجز بجدارة عن إبراز شريحةٍ واسعةٍ من الشعب، يخالف خطابها خطاب التقليد الليبرالي السياسي الذي انتقده ترامب كثيراً، عندما شدّد على مصطلحات كـ "الإرهاب الإسلامي" ونعته المكسيكيين والأميركيين الأفارقة بنعوتٍ عنصرية، في عباراتٍ كانت مستفزّة للإعلام الليبرالي، لكنها أثّرت في جماهيرية ترامب قطعاً.
فشل الإعلام التقليدي، أيضاً، في التأثير على الناخبين، فكل الصحف والقنوات التلفزيونية التي استنفرت قطاعاً عريضاً من الديمقراطيين والجمهوريين، وغيرهم، للهجوم على ترامب، فشلت في صد هديره الشعبوي. وكان ترامب على حق، هنا، عندما تحدث عن تزوير الإعلام استطلاعات الرأي، ربما لم يحدث تزويرٌ بالمعنى الحرفي، لكن الإعلام كان يعكس رغبات النخبة، لا تنوع الأميركيين، علاوة على فشله في التأثير بهم.
الأخطر من فوز ترامب بالرئاسة أنه جاء موازياً لاحتفاظ الأغلبية الجمهورية بمراكزها في مجلسي الشيوخ والنواب، بعد انتخابات الكونغرس أمس. كان الرئيس باراك أوباما مقيّداً بسيطرة الجمهوريين على المجلس التشريعي الذين عارضوا كثيراً من مشاريعه ومخططاته، أما ترامب فيأتي ليحول الصراع لتفاوض داخل الحزب الجمهوري نفسه، في ظل احتفاظ الجمهوريين بالأغلبية في الكونغرس. صحيح أن الجمهوريين، ولاسيما المؤسسة التقليدية، نأت بنفسها عن ترامب، باعتباره معركةً خاسرة، إلا أن نجاحه سيلزم الحزب بإعادة صياغة العلاقة بينه وبين الرئيس الأميركي الجديد.
يحتاج ترامب دعم المؤسسة الجمهورية التقليدية التي يقودها بول رايان، وتسيطر على الكونغرس، وهؤلاء بحاجة لقوة الرئيس، فالمصالح هنا متبادلةٌ وحتميةٌ، تجعل احتمالية التباينات ضئيلة، على الرغم من العلاقة المتوترة بين الجانبين، قبل هذه اللحظة.
سيؤثر عهد ترامب كثيراً في مستقبل الولايات المتحدة، كدولة، فستكون حقبة ترامب، على الأرجح، فترة اختيار أكثر من قاضٍ في المحكمة العليا، وإذا حدث هذا في ظل سيطرة الجمهوريين على الكونغرس، فمعناه أن المؤسّسة التي عكست، إلى وقت قريب، تنوع أميركا، بوجود قضاةٍ محافظين وليبراليين، فإن ترامب (والجمهوريين) سيختارون قضاةً أكثر محافظة، ستؤثر قراراتهم في أميركا عقداً أو اثنين.
يعيش العالم لحظات ترقب، مع الساكن الجديد للبيت الأبيض. وقد توازى انتخاب ترامب رئيساً في الولايات المتحدة، بما يمثله من شعبوية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مع صعود اليمين المتطرّف في أوروبا، كلها تعبيراتٌ عن أزمة النخب الليبرالية التقليدية في العالم الغربي. الخطوط العامة لهذه اللحظة أن أفكار التعدّدية الثقافية والسياسية والانفتاح الاقتصادي وبناء التكتلات الكبرى على أسس ليبرالية وديمقراطية، لم تكن مصير "العالم الحر" كما يروج.
كان أوباما بمثابة الرئيس المثالي في النظام الغربي التقليدي. كان رئيساً مثقفاً، وديمقراطياً، يحتفي بالتعدّدية العرقية والدينية، بل يمثلها باعتباره أول رئيس أسود في أميركا. بعد هذا الرئيس تحديداً، ينتخب الأميركيون رئيساً آخر، يمثل النقيض تماماً. بل أسوأ من النقيض، انتخب الأميركيون رئيساً داعب أكثر غرائز البشر بدائيةً، متمثلة ببناء "جدار" بينهم وبين "الآخر" الذي يهدّد أمنهم واقتصادهم.
424F7B7C-113B-40E9-B0BD-EFA3B6791EB5
بدر الراشد

كاتب وصحافي سعودي