لماذا صوّت البورجوازيون للإسلاميين؟

30 سبتمبر 2015

مغربية تبتهج بتقدم حزب العدالة والتنمية في الرباط (سبتمبر/2015/Getty)

+ الخط -
سؤال محيّر لكثيرين: كيف استطاع حزب العدالة والتنمية المغربي أن يكسب قلوب الأغنياء الذين صوّتوا بكثافة له في اقتراع 4 سبتمبر/ أيلول؟ تكشف عن هذه الحقيقة أرقام مكاتب التصويت في الأحياء الراقية، في الفيلات والإقامات المخصصة لسكن الأغنياء والنخبة التجارية والصناعية والتكنوقراطية. تجد حزب رئيس الحكومة، عبدالإله بنكيران، يحصد أغلبية الأصوات في انتخابات المدن، وبفارق ضعفين وثلاثة عن الأحزاب المنافسة، ما جعل الحزب الإسلامي المعتدل يفوز بإدارة المدن الكبرى، من الدار البيضاء إلى الرباط إلى فاس، فطنجة، فتطوان وأكادير ومراكش والقنيطرة وسلا وتمارة والمحمدية ومكناس. حصل على مليون ونصف مليون صوت، كلها من الطبقتين، الغنية والمتوسطة، في المدن والحواضر الكبيرة. وإذا كان الصوت في عرف القانون واحداً، في الأرياف كما في المدن، فإن الصوت الانتخابي، من الناحيتين، السياسية والسوسيولوجية، يختلف. ذلك أن السياسة تُصنع في المدن، والقرار يطبخ في الحواضر، والمستقبل بيد الفئات الأكثر تأثيراً في الاقتصاد والإدارة والسياسة والشارع، وكل هذه المستويات في التأثير موجودة، للأسف، في المدن، لا في القرى التي لم تتحرّر بعد من تأثير السلطة، أو قبضة الأعيان أو براثن الفقر، وكلها معيقات تمنع المواطن هناك من التصويت الحر.
كريم التازي من البورجوازية المغربية، ساهم في كسر عقدة الأغنياء من الإسلاميين، يقول في تفسير هذا الميل لدى (علية القوم) إنه لسببين: أولاً، بدأ الخوف الذي زرعه المخزن (الدولة العميقة) في نفوس البورجوازيين تجاه الإسلاميين في الاختفاء. كان يقول للأغنياء: إذا نجح الإسلاميون في الوصول إلى السلطة، عليكم أن تنسوا نمط الحياة الأوروبي وكأس الخمر واللباس القصير لنسائكم. أي أن الحريات الفردية هي الموضوع، غير أنه اتضح، بعد أربع سنوات على وجود "العدالة والتنمية" في الحكم، أن هذا الحزب لا يهدد هذه الحريات، بل عمل على احترامها، وعلى سن قوانين جديدة تحميها وتوسّعها. السبب الثاني، حسب التازي: حفاظ حكومة بنكيران على التوازنات الكبرى للمالية العمومية، وتقليص حجم صندوق دعم المحروقات الذي كان يسبّب العجز في الميزانية. البورجوازية صوتت لبنكيران، لأنه أنقذ المغرب من سيناريو اليونان.
ويقول محمد الناجي، السيوسيولوجي المحسوب على اليسار، في تفسير تصويت الأغنياء المغاربة على "العدالة والتنمية"، إن العامل الديني لا يفسر الاختيارات السياسية لهذه الفئات التي لا تعتبر، غالباً، وفيّة للمساجد أو للخطاب الديني الأصولي، إنهم صوّتوا للحزب الذي يندّد بالفساد المستشري في الإدارة، والذي يعدهم بمحاربة الاستبداد. المقاولون المتوسطون والصغار هم البورجوازية الحقيقية التي تتصارع مع الحيتان الكبيرة في عالم المال والأعمال، هؤلاء هم الذين يتجاهلهم النظام، وتزدريهم البنوك، ولا يصلون إلى المشاريع والمناقصات. صوّتوا لحزب العدالة والتنمية، لكي يطهّر عالم البزنس من الفساد والرشوة والمحسوبية، الاقتصاد ما دفعهم إلى التصويت لحزب بنكيران، لا الإسلام.
هذه نماذج من التحليلات في تفسير واحدةٍ من رسائل الانتخابات البلدية التي جرت، أخيراً، في المغرب.
تصويت الأغنياء والطبقات العليا في المجتمع على أحزاب معارضة، أو لأحزاب مستقلة عن السلطة، ليس ظاهرة جديدة. رأيناها مع "الاتحاد الاشتراكي" أيام كان قوة سياسية كبيرة، ومشروعاً طموحاً لتحديث الدولة والمجتمع. كان الأغنياء والطبقات الوسطى يعطون صوتهم لهذا الحزب، ما كان يغيظ الملك الحسن الثاني الذي علق على ذلك بمرارة: كيف تأكل البورجوازية مع النظام، وتصوت ضده. هذا غير مفهوم.
نعم، البورجوازية المغربية مازالت تخاف من الدفاع علانية عن الديمقراطية، ومازال بعضها يأكل مع النظام وينتقده، وتعرف أن مصالحها الآنية مع السلطة، لكنها تعرف، أيضاً، أن مصالحها البعيدة مع الاستقرار، وجوهره الديمقراطية، ومركز الديمقراطية المشاركة السياسية، ولب المشاركة أحزاب قوية قادرة على تأطير الشارع، وتستطيع الصعود بمطالب القاعدة إلى القمة، وفي وسعها تنشيط التداول على السلطة الذي يجدد دماء النظام، ملكياً كان أم جمهورياً.

A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.