وقفة مع حركة النهضة

09 يونيو 2015

ناشطة حزبية في مهرجان لحركة النهضة (22أبريل/2014/الأناضول)

+ الخط -
احتفلت حركة النهضة، السبت الماضي، بالذكرى الرابعة والثلاثين لتأسيسها. ففي السادس من يونيو/حزيران 1981، تم الإعلان عن تشكيل حزب سياسي، عنوانه "حركة الاتجاه الإسلامي"، وتقدم المسؤولون عنها بطلب رسمي إلى وزارة الداخلية، للحصول على التأشيرة القانونية التي من شأنها أن تخرج الحركة من طور السرية، وتنقلها إلى الحالة العلنية. وتجدر الإشارة إلى: 

أولاً: لم يكن قرار الانتقال إلى العلنية وتشكيل حزب سياسي معترف به اختياراً تلقائيا من الحركة، بقدر ما كان اضطرارا. وكان العامل الحاسم الذي دفع في هذا الاتجاه عثور الشرطة مصادفة على الهيكلة السرية للتنظيم الذي كان معتمداً، وتم العثور على وثائق التنظيم في حقيبة أحد كوادر الحركة، واعتبر ذلك يومها من الأخطاء التنظيمية الفادحة في ذلك العهد. وقد اختارت ما كانت تسمى "الجماعة الإسلامية" أن تؤسس تنظيما يقوم على ثلاثة طوابق. كان الأول مكشوفا ومعلوما لدى الجميع، يتمثل في إلقاء دروس دينية داخل المساجد والمدارس والجامعات. ثم الثاني، ويتمثل في صيغة الدوائر، وهي مجموعات محدودة العدد من الأفراد الذين تم انتقاؤهم من العناصر التي لفتت الانتباه في أثناء انغماسها في النشاط العام. ثم تبدأ العتبة الأولى من التنظيم السري عبر ما تسمى "الأسرة"، والتي تؤخذ البيعة من أعضائها للجماعة والأمير. وداخل هذا العالم المغلق، هناك المناطق المقسمة حسب الجهات، ولكل منطقة "عامل" مسؤول عنها. ثم يأتي مجلس الشورى الذي يضم العمال وأعضاء المكتب التنفيذي. وفي أعلى الهرم أمير الجماعة الذي يخضع له الجميع بالسمع والطاعة. وقد ذهلت الأجهزة الأمنية عندما اطلعت على هذه التفاصيل عن هيكل ضخم ومتشعب، تم بناؤه خلال بضع سنوات، من دون أن تدرك ذلك، أو تتفطن له ولحجمه.
ثانياً: لم تكن قواعد الحركة مهيأة، في مطلع الثمانينيات، لقبول فكرتي العلنية والحزبية. وكان طلبة الاتجاه الإسلامي في مقدمة من عارضوا الخطوة، حيث كان النقاش يومها في الجامعة يدور حول ضرورة القطع مع النظام الحاكم ومنظومته السياسية، على الرغم من أن السلطة في تلك المرحلة قد بدأت تميل بعد تولي الوزير الأول، محمد مزالي، إدارة الحكومة نحو حالة من الانفتاح السياسي الحذر والجزئي. لكن الطلبة الإسلاميين الذين بدأوا، في تلك المرحلة، يتأثرون بأطروحات أقصى اليسار، لم يكونوا مطمئنين لدخول حركتهم في خضم اللعبة السياسية تحت سلطة نظام فقد الشرعية. ولهذا السبب، عارضوا بقوة فكرة طلب ترخيص من وزارة الداخلية، ما استوجب إجراء نقاشات طويلة مع مئات منهم، كانوا يتوافدون بالعشرات على مكتب المحامي والشخص الثاني في الجماعة، الشيخ عبد الفتاح مورو، إلى أن اقتنعوا على مضض.
ثالثاً: إذا عدنا إلى الماضي، لن يكون السادس من شهر يونيو/حزيران 1981 هو التاريخ الفعلي للحركة الإسلامية التونسية، فعشرية السبعينيات هي التي شهدت التأسيس الفعلي للحركة، وهي التي مهدت لفكرة الحزب، بعد مخاض فكري وتنظيمي، كان مهماً ومحوريا، وهو ما أثر في طبيعة التوجهات السياسية والأيديولوجية للحالة الإسلامية في تونس. لكن، مع ذلك قررت قيادة الحركة اعتماد موعد الإعلان عن تأسيس حركة الاتجاه الإسلامي، محطة زمنية تؤرخ بها وجودها، وقد يعود ذلك إلى رغبة بعضهم في تجاوز ما حدث، خلال مرحلة التأسيس الحقيقي من صراعات، أدت إلى أول انفصال يحصل في تاريخ الجماعة.
الأكيد أن حركة النهضة تعتبر اليوم أكثر الأحزاب التونسية تماسكا وحضورا، ما جعلها في قلب الصراع على السلطة في تونس ما بعد الثورة، ولأجل ذلك، هي مطالبة بأن تراجع نفسها بعمق ووعي، وتستحضر بجدية أخطاء الماضيين، البعيد والقريب، وأن تتجنب بالخصوص المعارك الوهمية البعيدة عن هموم التونسيين وأولوياتهم.