بترول في تونس

12 مايو 2015

أزمة سير أمام محطة وقود في تونس (14أبريل/2011/أ.ف.ب)

+ الخط -
يجب الإقرار بأن الدولة إذا ضعفت واختلت الموازين بينها وبين المجتمع، ستكون الكلفة السياسية والاجتماعية غالية بمختلف المقاييس. وما يجري هذه الأيام في منطقة الفوار من محافظة قبلي في الجنوب التونسي مثال حي على ذلك. فشباب هذه الجهة يعانون من التهميش الاجتماعي منذ فترة طويلة، وعلى الرغم من مرور أكثر من أربع سنوات على التغيير السياسي الكبير في البلاد، وتعاقب خمس حكومات، لم يتغير شيء له قيمة في أوضاعهم. لهذا، ما أن تم الإعلان عن اكتشاف بئر نفط صغير في جهتهم، حتى أعلن هؤلاء الشباب عن تمردهم، مطالبين بحقهم في هذا الكنز الطبيعي، لتحقيق التنمية المفقودة في ولايتهم. وكانت هذه الشرارة كافية لتحويل هذه المنطقة الهادئة إلى ساحة مواجهات عنيفة بين هؤلاء الشباب وقوى الأمن، ولم تهدأ إلا عندما تسلم الجيش مسؤولية حماية المنطقة.

مطالب هؤلاء الشبان مشروعة، وخصوصاً أصحاب الشهادات منهم الذين تلقفتهم البطالة، بعد تخرجهم من الجامعات. لكن الإشكال يكمن في عنصرين، الأول أن البترول الذي يتوقعون أنه سيغير حياتهم نحو الأفضل لم يتم استخراجه حتى الآن من باطن الأرض، وسيحتاج الأمر تهيئة فنية تتطلب سنة ونصف على الأقل ليصبح قابلاً للتسويق. وثانياً، لن يوظف هذا الحقل أكثر من 100 شخص، إضافة إلى أنه ليس ملكاً لمنطقة دون أخرى، وكما أن الوطن لا يقسم، فإن ثرواته أيضاً ملك للجميع، والدولة هي الجهة الوحيدة المطالبة بأن تستثمر ثروات الوطن، وأن تقوم بتوزيع عادل للمردود المالي لهذه الثروات، حتى تتعمق الوحدة الوطنية، ويقع قطع الطريق أمام التقسيم والصراع المفتوح بين مكونات المجتمع الواحد.

تأتي أحداث الفوار في تزامن مع لعنة الفوسفات التي تلاحق سكان الحوض المنجمي في ولاية قفصة. وهي أزمة مفتوحة، أصبحت تهدد البلاد بجميع محافظاتها، بعد أن توقفت عمليات استخراج الفوسفات، وتحويله وتصديره، نتيجة الاعتصامات المتكررة. وقد جعل هذا الأمر الحكومة والرئاسة ومعظم مكونات الطبقة السياسية ومنظمات المجتمع المدني تصاب بصعقة كهربائية قاسية. لأنه عندما يتوقف تصدير الفوسفات، سيؤشر ذلك عن قرب حلول كارثة وطنية من الحجم الثقيل. وبما أن شركة فوسفات قفصة لا تستطيع أن تشغل جميع سكان هذه الولاية، وأن تنهض بها، من دون التفكير في الدورة الاقتصادية للبلاد، فإن الأزمة مرشحة لتداعيات أكبر وأخطر على الجميع.

دارت المعركة الانتخابية الأخيرة، التشريعية والرئاسية، حول إشكالية "هيبة الدولة"، وكان صاحب هذه الدعوة الباجي قايد السبسي الذي فاز هو وفاز معه حزبه. مع ذلك، لم تستعد الدولة عافيتها، حيث استمر التنازع بينها وبين الفئات والمناطق المحرومة والمهمشة.

الحكومة التي تدير شؤون البلاد حالياً يقودها ائتلاف أوسع من الحكومة السابقة، بأربعة أحزاب، في مقدمتها "نداء تونس" و "حركة النهضة"، لكن صوت هذه الأحزاب جميعاً لم يصل إلى المواطنين. وتواجه هذه الحكومة أعقد ملف فجرته الثورة، ما جعلها تخصص شهر مايو/أيار الجاري لمحاولة تقديم حل توافقي، لكنها تبقى مسكونة بهاجس الخوف من تمرد أقلية تكون قادرة على تحدي الجميع، فالأجواء في المنطقة متوترة جداً، بلغت حد اتهام جهات سياسية، وأخرى مالية متنفذة، بالوقوف وراء تغذية هذه الأحداث، لتحقيق أهداف ومصالح متضاربة.

ما هي دلالات هذه التطورات الخطيرة؟ ما تعنيه هذه الأحداث أن صبر المواطنين قد بدأ ينفد، وأن الحالة التونسية لم تستقر بعد، وأن الحكومة تجتهد، لكن أداءها لا يزال بعيداً عن إقناع المواطنين، وخصوصاً الذين يعانون من الفقر، ولم يلمسوا بعد بداية الطريق. أما النقابات فلا تزال تبحث عن وسط العصا، لتمسكها في ضوء تصاعد المطلبية، ورجال الأعمال لم يستعيدوا الثقة، لا في المنظومة ولا في النظام الجديد ولا في النقابات. مرة أخرى، هيبة الدولة لا تزال شعاراً.