بالخلاص يا بلد

04 ابريل 2015

خراب سوري

+ الخط -

يستعيرغالبية السوريين، اليوم، في تمنياتهم ومجاملاتهم ومعايداتهم وتعازيهم، عنوان كتاب الكاتب السوري، ياسين الحاج صالح، (بالخلاص يا شباب)، عن تجربة ستة عشر عاماً في السجون السورية، إذ يبدو الخلاص الأمل الوحيد الذي يعيش عليه السوريون جميعاً، أينما كانوا ومهما كان توجههم وانتماؤهم. الخلاص الذي يبدو بعيداً، كبعد الشمس عن عيني معتقل في قبوٍ ما. الخلاص الذي لا يبدو أن ثمة أي ملمح لاقترابه، فسورية عالقة في عنق زجاجة، والسوريون عالقون معها، أينما كانوا. الباقون فيها محاصرون بكل أسباب الموت، جوعاً ومرضاً وبرداً وقصفاً وتفجيراً وتعذيباً وقنصاً وقهراً، والخارجون منها محاصرون بكل أسباب اليأس، ذلاً وتشرداً وقهراً وغربة وعوز وعدم انتماء. وفي أحسن الأحوال، الحنين إلى بلدٍ يتآكل شيئاً فشيئاً، ويكاد لا يبقى منه أثر. والخلاص المرجو بات أشبه بمعجزة اليوم، إذ كان رحيل النظام قبل سنتين كافياً ليشكل خلاصاً للجميع. كانت آلة الموت ستتوقف، وسيعود الجميع إلى البدء في إعادة بناء ما تهدم، ليس فقط في البنى التحتية، وإنما في البنية المجتمعية التي تدمرت، بالتوازي مع تدمير المدن. كان متاحاً، وقتها، للسوريين المنقسمين، أن يعاودوا لمّ شملهم وصياغة عقد اجتماعي ناظم لحياتهم، ولمستقبل أولادهم، لولا أن ثمة قراراً ما لأحد ما في مكان ما بمنع ذلك، وبإنهاء كل ما يذكّر بسورية وتاريخها، بكل تفاصيله وتفاصيل ناسه.
لم يعد رحيل النظام وحده ما يشكل خلاصاً للسوريين، اليوم، فأشباهه في الإجرام باتوا كثيرين في سورية، وأشباهه في الفساد وانعدام الأخلاق باتوا أكثر. تعمّق الخراب وتجذر وتمدد، حتى باتت المعجزة، إن حدثت، لن تكفي للخلاص الذي صارت له معان عديدة اليوم. الخلاص من كوابيس المجازر المتنقلة. الخلاص من براميل الموت. الخلاص من رائحة الكيماوي القاتلة. الخلاص من السكاكين التي تذبح واحداً وراء آخر. الخلاص من الألم القاتل في أثناء البحث عن وجوه الأحبة، في الصور المسربة لشهداء المعتقلات السورية، ومن الخجل من متابعة صفحات الأصدقاء التي تنعي أحباء، تم اكتشاف وجوههم المرقمة. الخلاص من خوف الفقد اليومي، ومن توق البحث عن ملجأ آمن، ومن القلق الممض على مستقبل الأولاد. الخلاص من اعتبار الموت خلاصاً وحيداً، ومن انتظاره كل لحظة. الخلاص من الارتياب والخوف والذعر من الآخر، ومن التفشي الورمي للحقد المذهبي والطبقي والمناطقي. الخلاص من الرحيل والهروب، ومن ذل التشرد ومن المنفى ومن الحنين ومن توقف العيش ومن الإحساس بالنقص في بلاد الآخرين. الخلاص من سردية الظلم وسردية الخذلان وسردية الخيبة. الخلاص من التصريحات السياسية ومن المؤتمرات الدولية، ومن مؤتمرات الأصدقاء والأعداء والمانحين والمانعين، ومن الشريط الأحمر العاجل في النشرات الإخبارية. الخلاص من الزعامات القديمة والحديثة، ومن ذهنية المريدين، من التقديس والرموز، ومن مفوضي الأخلاق والوطن والثورة والدين والإله، من مانحي صكوك الغفران الأرضية والسماوية، ومن شبيحتهم، من بلطجية الثقافة وبلطجية الإعلام، من السفاهة والبذاءة والأسماء المستعارة، الخلاص من ثقافة الشعارات الفضفاضة، ومن المبالغة والتضخم والتفاضل والتمايز، من الكذب بذريعة الظرف، ومن الكذب بذريعة الخوف، ومن الكذب بذريعة الاستتار.
الخلاص من كل ما يعيق سيادة العدالة بدل الانتقام، والقانون بدل الثأر. الخلاص من كل ما يعيق عودة الحياة إلى دورتها الطبيعية، ومن كل ما يعيق تحقق ما خرج السوريون من أجله في مارس/ آذار 2011، وضاعت من أجله أعمار من سبقهم بين المعتقلات والمخابئ والمنافي. الخلاص من كل ما يجعل الدم السوري النبيل سلعة سياسية رخيصة، ومن كل من يتاجر بآلام السوريين في أسواق السياسة والمصالح. هذا الخلاص الصعب والعسير، أمل السوريين، هو بالضبط ما يعنونه في نهاية معايداتهم ومباركاتهم وتعازيهم، الخلاص الكامل والناجز نحو الحرية الكاملة.

 

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.