التضامن العالمي فرصة لمحاكمة جنود الاحتلال مزدوجي الجنسية

16 اغسطس 2014

مسيرة تضامن مع فلسطين ضد إسرائيل في ملبورن (أغسطس/2014/الأناضول)

+ الخط -

سقط الستار عن الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في عدوانها على قطاع غزة، واخترقت الصور الدامية  لضحايا  المجازر من الأطفال والنساء جدران التعتيم الإعلامي الذي تقوم به الامبراطوريات الإعلامية الكونية، والتي تحرص على إظهار إسرائيل الضحية دوماً في أي عدوانٍ تشنه على الفلسطينيين. وقد دفعت بشاعة تلك الصور وقسوتها إلى خروج عشرات التظاهرات الضخمة في دولٍ عديدة، تنديداً بهذه الجريمة، وتوالت معها ردود الأفعال الرسمية المنددة بها أيضاً، وكانت دول في أميركا اللاتينية في طليعتها، بسحب سفرائها من إسرائيل، مثل البرازيل والإكوادور وتشيلي البيرو والسلفادور، بينما جاء الرد الأقوى من بوليفيا التي وضعت إسرائيل في مقدمة قائمتها للإرهاب. كما خرجت تظاهرات ضخمة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها. أصبحت الجريمة الإسرائيلية مكشوفة أمام العالم، وحالة التضامن العالمية هذه تفتح الباب على اتساعه للعمل من أجل استثمارها في عزل إسرائيل سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، قبل أن تخبو وتيرتها تدريجياً، مع انتهاء العدوان على قطاع غزة، وخصوصاً أن ثمة فرصة لمحاكمة مرتكبي هذه الجرائم بحق الفلسطينيين، كأفراد ومؤسسات، من دون انتظار السلطة الفلسطينية للتوقيع على اتفاقية روما، وجر إسرائيل إلى المحكمة الدولية في لاهاي.


وتسلّط قضية الضابط الإسرائيلي، هدار جولدين، المفقود، أو المقتول، في أثناء العدوان البري على غزة، بحسب الرواية الإسرائيلية، الضوء على مزدوجي الجنسية في القوات الإسرائيلية الذين يرتكبون جرائم الحرب الحالية هناك، أو يشاركون فيها، فهذا الضابط كان يقاتل في صفوف لواء جولاني، ويحمل الجنسية البريطانية، فضلاً عن الإسرائيلية، ويعدّ واحداً من خمسة آلاف جندي إسرائيلي من حَمَلة الجنسيات الأخرى، إضافة إلى الجنسية الإسرائيلية، مثل الأميركية والبريطانية. وبحسب تقرير أصدرته المنظمة العربية لحقوق الإنسان، في منتصف شهر يوليو/ تموز الماضي، يطلق على هؤلاء اسم "الجندي الوحيد"، وهم قادمون من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كما أن ثلثهم من أميركا الشمالية. وبحسب التقرير، هنالك على الأقل مئة جندي من حملة الجنسية البريطانية و150 آخرون من جنوب أفريقيا. وبالتأكيد، لا تجد الجرائم التي يرتكبونها ضمن صفوف جيش الاحتلال مَن يحاكمهم عليها في إسرائيل، بل على العكس، هم غالباً يتلقون المكافآت والترقيات عليها، وقد يعودون في إجازة الصيف إلى بلادهم وعائلاتهم، ليتحدثوا عن بطولاتهم (جرائمهم) بحق الشعب الفلسطيني، من دون محاسبة من أحد.
وللتبرؤ منهم، ومن جرائمهم، أسقطت الأرجنتين أخيراً جنسيتها عن الجنود الإسرائيليين الذين يحملونها، وهي خطوة إيجابية. ولكن، يمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك بمحاسبتهم على ما اقترفت أيديهم من جرائم بحق الفلسطينيين، وكشفها أمام الرأي العام في تلك البلدان. وهنا، يبرز دور المؤسسات الحقوقية العربية والفلسطينية، الرسمية والمستقلة، بجمع الأدلة والبراهين ورفع الدعاوى القضائية، بهدف محاكمة هؤلاء في محاكم البلاد التي يحملون جنسياتها، وفق القوانين المتبعة في كل بلد؛ فمن المنطقي القول إن قوانينها لا تجيز لمواطنيها ارتكاب جرائم، أو المشاركة فيها في بلدان أخرى، والنجاح في هذه الخطوة يمنع هؤلاء من الإفلات من دون عقاب، وملاحقتهم قانونياً، فضلاً عن فضحهم أمام مجتمعهم هناك، باعتبارهم مجرمين وليسوا أبطالاً، فضلاً عن حرمانهم من العودة إلى عائلاتهم وأصدقائهم، خوفاً من السجن، كما أن ذلك سوف يساهم، إلى حد بعيد، في تعرية دولة الاحتلال والقيم الأخلاقية الزائفة لجيشه الذي يفاخر بها قادته أمام العالم، وهم يخفون وراءها جرائم يندى لها جبين الإنسانية.
من جانب آخر، تساهم الملاحقة القانونية لمزدوجي الجنسية من هؤلاء المرتزقة الذين يقاتلون في صفوف الجيش الاسرائيلي، بشكل أساسي، في تفكيك المنظمات الصهيونية التي تجندهم بالدرجة الأولى، والمنتشرة في الدول الغربية، والتي تشجع وتدفع الأوروبيين والأميركيين ورعايا دولٍ أخرى إلى المشاركة في الوحدات القتالية الإسرائيلية علناً، ومن دون أي مساءلة قانونية من تلك الدول، وتعتبر منظمة "سار إل"، التي تعني الخدمة من أجل إسرائيل، أبرزها، وهي تجنّد المتطوعين عبر 33 فرعاً لها في العالم. وبذلك تكون المصدر الرئيسي لمزدوجي الجنسية في الجيش الإسرائيلي، وقد تأسست عام 1983 على يد الصهيوني، أهارون ديفيد، الذي كان عضواً في منظمتي البالماخ والهاجاناه الصهيونيتين، واللتين شكلتا نواة جيش الاحتلال، وتاريخ جرائمهما بحق الفلسطينيين طويل. وتتعاون المنظمة المذكورة مع منظمات أخرى عديدة في استقطاب المتطوعين وإرسالهم لمقاتلة الفلسطينيين، مثل منظمة "أيش ملاخ"، التي تعني أصدقاء الجيش الإسرائيلي، فضلاً عن جمعياتٍ كثيرة تجمع التبرعات لدعم قوات الاحتلال التي تقتل الفلسطينيين وتنكّل بهم منذ قيام الكيان الإسرائيلي، ويزداد نشاط هذه المنظمات والجمعيات مع كل عدوانٍ تشنه إسرائيل على قطاع غزة.


وبالتالي، من الواجب استغلال الرفض الشعبي العالمي للمجازر المتتالية التي ترتكبها آلة القتل الإسرائيلية يومياً، وعلى مدى الأسابيع الماضية، في إيقاف نشاط هذه المنظمات الصهيونية، ومعاقبتها قانونياً، حيث الأجواء مناسبة لإثارة قضيتها أمام الرأي العام، وكشف دورها في إرسال المتطوعين من بلادهم للقيام بجرائم حرب، إلى جانب قوات تحتل أراضي الغير، كما أن العمل على تقديم هؤلاء المتطوعين من أصحاب الجنسية المزدوجة إلى المحاكم وتعريضهم للملاحقة القضائية، من شأنه تسليط الضوء، بشكل كبير، على الدور الذي تلعبه هذه المنظمات الصهيونية في دعم الأعمال الإجرامية لجيش الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وتكشف النقاب عن الطبيعة الدموية والإرهابية لهذا الجيش الذي يشارك أفراده في قصف المدارس والمستشفيات والأحياء السكنية بآلاف الأطنان من المتفجرات، لتحقيق أكبر قدر من الدمار والقتل بحق المواطنين الأبرياء.
اعترفت إسرائيل، في أثناء العدوان على قطاع غزة، بمقتل أربعة جنود من حَمَلة الجنسية المزدوجة، أميركيان وفرنسي ونيوزيلندي، وجميعهم كانوا يخدمون في لواء جولاني، فضلاً عن الضابط البريطاني المفقود أو المقتول، وهذا دليل كافٍ لإثبات تورطهم المباشر في جرائم قوات الاحتلال الدموية. وكما أثبتت المقاومة الفلسطينية لهم، وللجيش الإسرائيلي، أن عدوانهم على قطاع غزة ليس نزهة، تستطيع المؤسسات الحقوقية، إذا أحسنت استثمار المناخ الشعبي المتضامن مع الفلسطينيين على مستوى العالم، عزل إسرائيل أخلاقياً، قبل أي شيء والإثبات للمرتزقة ومزدوجي الجنسية الناجين من الحرب أن قتل الفلسطينيين والعودة إلى بلادهم، ليست مغامرة مثيرة يمارسون فيها فاشيتهم القذرة ثم يعودون إلى البيت من دون عقاب.