18 فبراير 2016
أوباما... صاحب السلام والإرث البائس
على وقع معركة الانتخابات المحتدمة في الولايات المتحدة، يدور الحديث حالياً في الأوساط الأميركية ومراكز البحث، حول الإنجازات التي حققها الرئيس الأميركي، باراك أوباما في السياسة الداخلية والخارجية، والإرث الذي سيتركه مع انتهاء ولايته الثانية ومغادرته منصبه، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل بشأن الإرث الذي سوف يتركه الحائز على جائزة السلام في عالمنا العربي؟
بنظرات جادة وصوت ثابت، مقتبساً ثلاث آيات من القرآن الكريم، وبعد إلقائه تحية الإسلام بعربيةٍ جيدة، بدأ أوباما خطابه الشهير في جامعة القاهرة (4 يونيو/ حزيران 2009)، متعهداً ببناء علاقةٍ أكثر توازناً واستقراراً مع العالم العربي والإسلامي، وتجاوز حالة عدم الثقة التي أثمرتها سياسات سلفه في المنطقة، وتحقيق السلام في الملف الفلسطيني، فضلا ً عن تحقيق الاستقرار في العراق، وقد كانت هذه الوعود العنوان الرئيسي لسياسته في الشرق الأوسط. ولكن، هل تحقّقت؟
بعد توقف طويل، دارت عجلة المفاوضات بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 2010، لكنها سرعان ما توقفت نتيجة تعنت الأخيرة، واستمرارها في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، تلتها محاولة ثانية 2012، ثم ثالثة في الفترة الرئاسية الثانية للرئيس أوباما، دامت تسعة أشهر، وانتهت في 24 إبريل/ نيسان 2014 مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، توقفه عن متابعة المفاوضات.
على مدى سنوات رئاسته، ركز الرئيس أوباما ضغوطه على الجانب الفلسطيني، إما لدفعه إلى طاولة المفاوضات والتنازل عن شروطه المسبقة، أو لمنعه من القيام بأي إجراء سياسي أو قانوني، يدين إسرائيل على المستوى الدولي، بينما تابعت إسرائيل بناء المستوطنات ونسف أسس التفاوض، فضلا ً عن إصرارها على قبول الفلسطينيين بيهودية الدولة الإسرائيلية شرطاً مسبقاً، غير عابئةٍ بما تريده حليفتها التاريخية، ولا حتى بمجاملتها حداً أدنى كما جرت العادة، بل على العكس تماما ً، قام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بمناكفة الرئيس أوباما في مجلس الشيوخ الأميركي، ساعياً إلى عرقلة إتمام الاتفاق النووي مع إيران، فضلاً عن قيامه "بإهانة" غير مسبوقة دبلوماسيا ً مع الولايات المتحدة، حيث ألغى موعده مع الرئيس أوباما في مارس/ آذار الفائت، وعن طريق مكتبه، بيد أن الصفعة الكبيرة التي وجهها نتنياهو للرئيس الأميركي، وتعهداته بتحقيق السلام، كانت إعلانه، عشية فوزه بالانتخابات الإسرائيلية في 15 مارس/ آذار 2015، أن الدولة الفلسطينية لن تُقام في أثناء فترة رئاسته الحكومة.
في العراق، حاول أوباما إظهار نفسه كمن يعيد البلاد إلى أصحابها، وسحب كامل القوات
الأميركية من العراق في أكتوبر/ تشرين الأول 2011 تنفيذا لاتفاقية 2008 مع الحكومة العراقية، نافياً على الدوام رغبته في الإبقاء على القوات الأميركية هناك، ولكن ما كشفه السفير الأميركي في العراق، جيمس جيفري (2010-2012) أن أوباما فشل في إقناع مجلس النواب العراقي بالإبقاء على خمسة آلاف جندي أميركي. ومن ناحية أخرى، تهاون في كبح السياسات الطائفية الخطيرة التي مارسها رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، والتي ساهمت في تأجيج الصراع الطائفي في البلاد، وتعاظمت معها قوة الجماعات الجهادية وحضورها، مستفيدةً من حالة الإحباط الناجمة عنها، وانعدام الاستقرار السياسي والأمني. وقد نسف هذا كله الإدعاءات الأميركية بأن الولايات المتحدة أقامت دولة مستقرة وجيشاً قوياً، وجاء السقوط المدوّي لمدينة الموصل بيد تنظيم الدولة الإسلامية 2104، وفرار الجيش العراقي منها، ليثبتا تهافت هذه الادعاءات، كما أن سياسته التي يتبعها في العراق في إطار محاربة الإرهاب، والتغاضي عن جرائم القوات الإيرانية والمليشيات الشيعية، وبعضها على القائمة الأميركية للإرهاب، أدت إلى إعادة إنتاج المناخ المناسب، لظهور الجماعات الجهادية واستمرارها في الطرف المقابل. وبالتالي، ذهب تعهد الرئيس الأميركي باستقرار العراق، هو أيضاً؛ أدراج الرياح.
في سورية، أدت سياسات الرئيس أوباما المتردّدة والتزامه المطلق باستراتيجية إعادة التموضع، ونقل مركز الثقل الأميركي من الشرق الأوسط إلى الباسفيك إلى تعقيد الأوضاع في المنطقة إلى حد غير مسبوق، ومهدت الطريق أمام روسيا وإيران لكي تصبحا لاعبين رئيسيين فيها، يتشاركان، إلى جانب نظام دمشق، في قمع الانتفاضة السورية والقضاء على حق السوريين بالكرامة والحرية. وعلى مدى السنوات الخمس من عمر الثورة، رفضت إدارة الرئيس أوباما تقديم سلاح نوعي للمعارضة المعتدلة، ومنعت إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري، لتكون مأوى لمئات الآلاف من النازحين، هرباً من جحيم المجازر الذي يرتكبها النظام وحلفاؤه، كما تغاضت عن المليشيات الشيعية والمرتزقة الذين يقاتلون إلى جانب النظام، وعن المجازر التي يرتكبها النظام والطيران الروسي بحق المدنيين في مختلف المناطق السورية، كما أن "خطوط أوباما الحمراء " الشهيرة باتت خطوطا ًعلى الماء بعد مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية 21 أغسطس/ آب 2013، والتي راح ضحيتها حوالي 1500 مدني. وقد مثل هذا كله رسالة واضحة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأن الولايات المتحدة لن تقوم بأي إجراء لمحاسبته على الانتهاكات والجرائم التي يرتكبها في سورية، بل علاوة على ذلك، يدور الحديث الآن عن تحالف بينهما وتنسيق الضربات العسكرية فيما بينهما هناك.
إصرار أوباما على الحل السياسي، بغض النظر عن تدهور الأوضاع الميدانية والإنسانية، خصوصاً بعد التدخل الروسي، وعن حجم القتل والتدمير اليومي، فضلا ً عن مراوغة النظام السوري في كل جولات المفاوضات السابقة مع المعارضة، قد قاد إلى موجةٍ واسعةٍ من الانتقادات في العالم العربي، وحتى في الأوساط الأميركية، وصلت أخيراً إلى داخل إدارته، حيث قدم 51 موظفا مذكّرة إلى البيت الأبيض في يونيو/ حزيران الفائت، ينتقدون فيها السياسة الأميركية في سورية، ويطالبون باتخاذ إجراءات حازمة، تشمل توجيه ضربات عسكرية ضد النظام، لإجباره على الالتزام بالحل السياسي، وفكّ حصاره عن المدن السورية.
وخلافاً لتعهداته في خطاب القاهرة حول إعادة بناء الثقة مع العالم العربي، كانت ردود فعله المتسامحة مع التدخلات الإيرانية في دول عربية عديدة، خلال الاتفاق النووي مع إيران وبعده، سبباً رئيساً في زيادة الشعور بخيبة الأمل وعدم الثقة، خصوصاً مع حلفائه التاريخيين من بلدان الخليج العربي، والتي ترى إيران سبباً رئيسياً في زعزعة استقرار بلدانها والجوار العربي، بل وطالبها، في إحدى تصريحاته، "بمشاركة بلدان الجوار مع إيران"!
توجهت الأنظار بشدة إلى البيت الأبيض عام 2008، لتشهد الوصول التاريخي لباراك أوباما،
أول رئيس أميركي من أصول إفريقية في الولايات المتحدة، صاحب النبرة الخطابية المميزة والأسلوب الدمث، وقد سادت لدى كثيرين، آنذاك، حالة واسعة من التفاؤل، حول قدرته على جلب مزيد من الاستقرار والتوازن إلى العالم العربي، وتهدئة التوترات، ومعالجة الأزمات التي تركها خلفه جورج بوش (الابن)، كما أن مجرد تعهداته بالعمل على نزع السلاح النووي رأته "لجنة نوبل" سبباً كافياً لمنحه جائزتها للسلام بعد مضي حوالي تسعة أشهر فقط على دخوله البيت الأبيض! بيد أن خيبة الأمل أصابت جُلّ المتفائلين به، حتى بين الذين منحوه جائزتهم للسلام، فهو لم يفشل فقط في تحقيق وعوده للعالم العربي، بل قادت سياساته الكارثية في سورية إلى إطالة عمر الحرب وتعقيدها تحت لافتة محاربة الإرهاب، بينما تغرق البلاد بدماء أبنائها، ووصل النازحون منها إلى أصقاع الأرض.
لا يبدو أن الجدل حول الإرث الذي سيتركه أوباما سينتهي قريباً، حتى بعد مغادرته الرئاسة في يناير/ كانون الثاني المقبل. ولكن مقارنةً بتعهداته في العالم العربي، ثمّة فشل كبير في تحقيقها، فضلا ًعن ترك منطقة المشرق العربي في دوامةٍ كبيرة من الصراعات، فلا استقرار في العراق، ولا سلام مع الفلسطينيين، ولا ثقة متبادلة وعلاقات متوازنة، وكارثة في سورية؛ ربما تفوق حجم التي قام بها سلفه في العراق، لما لها من تداعيات في المنطقة والعالم.
وهنا؛ قد يبدو من المنطقي التساؤل، إذا كان هذا إرث من يحمل جائزة السلام ، فكيف يكون إرث من سيخلفه بدونها في البيت الأبيض؟ بيد أن الإجابة برسم الانتظار، ريثما يغادرنا صاحب جائزة السلام والإرث البائس.
بنظرات جادة وصوت ثابت، مقتبساً ثلاث آيات من القرآن الكريم، وبعد إلقائه تحية الإسلام بعربيةٍ جيدة، بدأ أوباما خطابه الشهير في جامعة القاهرة (4 يونيو/ حزيران 2009)، متعهداً ببناء علاقةٍ أكثر توازناً واستقراراً مع العالم العربي والإسلامي، وتجاوز حالة عدم الثقة التي أثمرتها سياسات سلفه في المنطقة، وتحقيق السلام في الملف الفلسطيني، فضلا ً عن تحقيق الاستقرار في العراق، وقد كانت هذه الوعود العنوان الرئيسي لسياسته في الشرق الأوسط. ولكن، هل تحقّقت؟
بعد توقف طويل، دارت عجلة المفاوضات بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 2010، لكنها سرعان ما توقفت نتيجة تعنت الأخيرة، واستمرارها في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، تلتها محاولة ثانية 2012، ثم ثالثة في الفترة الرئاسية الثانية للرئيس أوباما، دامت تسعة أشهر، وانتهت في 24 إبريل/ نيسان 2014 مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، توقفه عن متابعة المفاوضات.
على مدى سنوات رئاسته، ركز الرئيس أوباما ضغوطه على الجانب الفلسطيني، إما لدفعه إلى طاولة المفاوضات والتنازل عن شروطه المسبقة، أو لمنعه من القيام بأي إجراء سياسي أو قانوني، يدين إسرائيل على المستوى الدولي، بينما تابعت إسرائيل بناء المستوطنات ونسف أسس التفاوض، فضلا ً عن إصرارها على قبول الفلسطينيين بيهودية الدولة الإسرائيلية شرطاً مسبقاً، غير عابئةٍ بما تريده حليفتها التاريخية، ولا حتى بمجاملتها حداً أدنى كما جرت العادة، بل على العكس تماما ً، قام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بمناكفة الرئيس أوباما في مجلس الشيوخ الأميركي، ساعياً إلى عرقلة إتمام الاتفاق النووي مع إيران، فضلاً عن قيامه "بإهانة" غير مسبوقة دبلوماسيا ً مع الولايات المتحدة، حيث ألغى موعده مع الرئيس أوباما في مارس/ آذار الفائت، وعن طريق مكتبه، بيد أن الصفعة الكبيرة التي وجهها نتنياهو للرئيس الأميركي، وتعهداته بتحقيق السلام، كانت إعلانه، عشية فوزه بالانتخابات الإسرائيلية في 15 مارس/ آذار 2015، أن الدولة الفلسطينية لن تُقام في أثناء فترة رئاسته الحكومة.
في العراق، حاول أوباما إظهار نفسه كمن يعيد البلاد إلى أصحابها، وسحب كامل القوات
في سورية، أدت سياسات الرئيس أوباما المتردّدة والتزامه المطلق باستراتيجية إعادة التموضع، ونقل مركز الثقل الأميركي من الشرق الأوسط إلى الباسفيك إلى تعقيد الأوضاع في المنطقة إلى حد غير مسبوق، ومهدت الطريق أمام روسيا وإيران لكي تصبحا لاعبين رئيسيين فيها، يتشاركان، إلى جانب نظام دمشق، في قمع الانتفاضة السورية والقضاء على حق السوريين بالكرامة والحرية. وعلى مدى السنوات الخمس من عمر الثورة، رفضت إدارة الرئيس أوباما تقديم سلاح نوعي للمعارضة المعتدلة، ومنعت إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري، لتكون مأوى لمئات الآلاف من النازحين، هرباً من جحيم المجازر الذي يرتكبها النظام وحلفاؤه، كما تغاضت عن المليشيات الشيعية والمرتزقة الذين يقاتلون إلى جانب النظام، وعن المجازر التي يرتكبها النظام والطيران الروسي بحق المدنيين في مختلف المناطق السورية، كما أن "خطوط أوباما الحمراء " الشهيرة باتت خطوطا ًعلى الماء بعد مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية 21 أغسطس/ آب 2013، والتي راح ضحيتها حوالي 1500 مدني. وقد مثل هذا كله رسالة واضحة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأن الولايات المتحدة لن تقوم بأي إجراء لمحاسبته على الانتهاكات والجرائم التي يرتكبها في سورية، بل علاوة على ذلك، يدور الحديث الآن عن تحالف بينهما وتنسيق الضربات العسكرية فيما بينهما هناك.
إصرار أوباما على الحل السياسي، بغض النظر عن تدهور الأوضاع الميدانية والإنسانية، خصوصاً بعد التدخل الروسي، وعن حجم القتل والتدمير اليومي، فضلا ً عن مراوغة النظام السوري في كل جولات المفاوضات السابقة مع المعارضة، قد قاد إلى موجةٍ واسعةٍ من الانتقادات في العالم العربي، وحتى في الأوساط الأميركية، وصلت أخيراً إلى داخل إدارته، حيث قدم 51 موظفا مذكّرة إلى البيت الأبيض في يونيو/ حزيران الفائت، ينتقدون فيها السياسة الأميركية في سورية، ويطالبون باتخاذ إجراءات حازمة، تشمل توجيه ضربات عسكرية ضد النظام، لإجباره على الالتزام بالحل السياسي، وفكّ حصاره عن المدن السورية.
وخلافاً لتعهداته في خطاب القاهرة حول إعادة بناء الثقة مع العالم العربي، كانت ردود فعله المتسامحة مع التدخلات الإيرانية في دول عربية عديدة، خلال الاتفاق النووي مع إيران وبعده، سبباً رئيساً في زيادة الشعور بخيبة الأمل وعدم الثقة، خصوصاً مع حلفائه التاريخيين من بلدان الخليج العربي، والتي ترى إيران سبباً رئيسياً في زعزعة استقرار بلدانها والجوار العربي، بل وطالبها، في إحدى تصريحاته، "بمشاركة بلدان الجوار مع إيران"!
توجهت الأنظار بشدة إلى البيت الأبيض عام 2008، لتشهد الوصول التاريخي لباراك أوباما،
لا يبدو أن الجدل حول الإرث الذي سيتركه أوباما سينتهي قريباً، حتى بعد مغادرته الرئاسة في يناير/ كانون الثاني المقبل. ولكن مقارنةً بتعهداته في العالم العربي، ثمّة فشل كبير في تحقيقها، فضلا ًعن ترك منطقة المشرق العربي في دوامةٍ كبيرة من الصراعات، فلا استقرار في العراق، ولا سلام مع الفلسطينيين، ولا ثقة متبادلة وعلاقات متوازنة، وكارثة في سورية؛ ربما تفوق حجم التي قام بها سلفه في العراق، لما لها من تداعيات في المنطقة والعالم.
وهنا؛ قد يبدو من المنطقي التساؤل، إذا كان هذا إرث من يحمل جائزة السلام ، فكيف يكون إرث من سيخلفه بدونها في البيت الأبيض؟ بيد أن الإجابة برسم الانتظار، ريثما يغادرنا صاحب جائزة السلام والإرث البائس.