11/11 أو غيرها

11/11 أو غيرها

08 نوفمبر 2022
+ الخط -

الدولة أو اللادولة، هذا هو المبرّر الذي حمل عبد الفتاح السيسي إلى كرسي الحكم، وهو الآن أهم موجبات إزاحته عنه. لم يعد السيسي خصم الديمقراطية أو ثورة يناير أو الإسلاميين، صار خصما وعبئا وخطرا حقيقيا على الدولة المصرية، ولا يعني استمرارُه سوى مزيد من سقوط الدولة وانحطاطها. لا يحتاج السيسي إلى إدانة من خارجه، سياساتُه تدينُه، كلماته تدينُه، أحوال المواطن في عهده تدينُه، وحتى مواقف حلفائه منه التي أعرب عنها بنفسه، لم يعد هؤلاء يثقون به أو بقدرته على أن "يصلب طوله".
جاء السيسي محمولا على أكتاف الملايين في الداخل، بوصفه المنقذ من الإخوان المسلمين، وحصل على الدعم غير المشروط من الجميع، مؤسّسات الدولة، إعلام الشؤون المعنوية وفروعه في مدينة الإنتاج الإعلامي، رجال الأعمال، الأزهر، الكنيسة، فصائل إسلامية أخرى غير "الإخوان"، الطرق الصوفية وحزب النور ومشايخ الفضائيات واليوتيوب، والأهم هو الدعم الإقليمي، من "الأشقاء"، مليارات السعودية والإمارات، أو "رز الخليج"، كما سمّاه، ماذا يفعل "الإخوان" وقنواتهم "التعبانة" أمام ذلك كله؟
حصل السيسي على فرصٍ لم يحصل عليها غيره، تسع سنوات من الفرص، تسع سنوات من "اصبروا معايا شويه"، تسع سنوات من "بكرة تشوفوا مصر"، تسع سنوات من "اسمعوا كلامي أنا بس"، أنا طبيب الفلاسفة، أنا البطل، أنا الأيقونة، أنا ظهري ربنا، ففهمناها سليمان. تسع سنوات ولا شيء غير الفقر والديون، شوارع  بالديون، كباري بالديون، مدن سياحية بالديون، أكبر جامع وأكبر كنيسة وأفخم قصر وقطار وأوبرا وعاصمة إدارية، بذخ وترف واختيال وتعالٍ وتطاوس، وفواتير ثقيلة على حساب المستقبل، والمواطن يصرخ والاقتصاد يصرخ والعملة تصرخ. والرئيس يواجه ذلك كله بمزيد من الارتجال والعشوائية واحتقار دراسات الجدوى، والسخرية من المختصّين، والاستهزاء بتوصياتهم، حالة "هوس"، تتجاوز اضطرابات النرجسية وجنون العظمة وكتاكيت عبد الفتاح القصري إلى شيء آخر لا اسم له سوى "السيسي".  تحوّل الاسم إلى "تشخيص"، مرض مستقل بذاته، وتحوّلت مصر، بحالها، إلى "روشتة" علاج هلاوس فخامته، الدولة بمواطنيها وأجهزتها وجيشها وشرطتها وحاضرها ومستقبلها ومصيرها كله تحوّلت إلى "وصفة علاج" لشخص واحد. 
الآن، وأيًا كانت مبرّرات تحمل السيسي، الشخص والمرض، في السابق، فإنه لم يعد من المفهوم أو المقبول استمرار ذلك، لا يوجد جيشٌ يصمد أمام فكرةٍ حان وقتها، هكذا يقول فيكتور هوغو، ويصدّقه التاريخ، تاريخنا قبل غيرنا، ولدينا من المؤشّرات (ولدى حضراتكم من التقارير) ما يؤكّد أن الشارع لم يعد يحتمل، وأن الانفجار، الذي لا يريده أحد، ولا يتحمّله أحد، قادم، شئنا أم أبينا، دعوات 11/11 للتظاهر وحدها مؤشّر مرعب، دعوة من مجهول، لا اسم لها ولا عنوان ولا خطة ولا تصوّر، ولا كيان سياسي يقف وراءها، ولا شيء سوى الغضب من أجل الغضب، وقد تحمل من الخسائر، إذا استمرّت الدولة في تجنيد نفسها لخدمة هلاوس فخامة المريض، ما لا يتحمّله أحد، لا الدولة ولا المواطن. ومع ذلك، تجد من الرواج والانتشار والجدل حولها والتعامل معها بجدّية ما لم تجده غيرها من الدعوات طوال السنوات الماضية، وهي استجاباتٌ حقيقية، وغير مصنوعة، مثل مائة مليون معك يا سيسي وغيرها من نكاتٍ وهاشتاغات.
لا أحد عاقل يريد مظاهرات ووقف حال ووجع قلب. البلد أضعف حالا من "يناير" أو حتى "30 يونيو". وبيانات الحركات الاحتجاجية المحسوبة على "يناير" واضحة، لا تدعو إلى النزول أو تتبنّاه، واستعدادهم الدائم، وغير المشروط، للحلول السياسية، واضح ومعلن، وهداياهم، غير المردودة، من أجل تحريك ملفات المعتقلين والمختفين قسريا والمنفيين والاستعداد للمشاركة والمساعدة في إنقاذ البلاد، لا تخفى على أحد، ومن أجلها تحمّلوا أطنانا من المزايدات والخوض في أعراضهم ووطنيتهم وذممهم من أقرب الناس إليهم. ومع ذلك، السيسي هو السيسي، عنجهية في الخطابات وتقطير في القرارات، و"حالة" لا أمل في علاجها، ولا علاج في وجودها. حلّوها بمعرفتكم، و11/11 أحسن من غيرها.