ماذا بعد إغلاق المساجد؟

30 يوليو 2014
+ الخط -


يضرب الإرهاب بكل عنف ليقتل التونسيين، ويبعث في قلوبهم الرعب، ويضرب رئيس الحكومة، مهدي جمعة، لمواجهة هذا الإرهاب، فيغلق المساجد، والمنابر الإعلامية، والجمعيات الخيرية. وكل هذه الضربات، من كلّ الأطراف، موجّهة إلى جوهر حقوق الإنسان والمواطن في تونس، فلا هو في منأى عن غدر الإرهابيين، ولا عن إجراءات "خليّة الأزمة" التي ستعمّق الأزمة، أكثر فأكثر على ما يبدو.

فالإرهاب أصبح ظاهرة لدى قوى سياسية واجتماعية كثيرة، من خلال مسلكيات همجيّة، تتحدّى القانون وتضعف الدولة، لأسباب أيديولوجية وانتخابية، وغلق المساجد لن يكون حلاّ لهذه الظاهرة، بل سيكون وجهاً آخر من وجوه الإرهاب "المتجمّل" باسترداد هيبة الدولة.

بعد الثورة، أصبح الكلّ يمارس إرهابه بطريقته، ما جعل ظاهرة الإرهاب تستفحل في العقل الجمعي، أن يرفض الأطباء تقديم الخدمات العلاجيّة للمرضى، إذا لم تتم الزيادة في أجورهم، إرهاب. وأن يرفض رجال التعليم منح النتائج لآلاف تلاميذ الباكالوريا إرهاب. أن يحجب المعلمون معدلات تلاميذهم، ويمنعونهم من فرح النجاح، للمطالبة بمنح مادية، إرهاب. أن تتحوّل المنابر الإعلامية إلى دعوات للقتل والسحل إرهاب. أن تهمل أطراف مقولة إن هذا البلد ملك للجميع على حدّ السواء، وليس ملكاً لطرف واحد، إرهاب.

وتحوّل الإرهاب إلى ظاهرة في تونس، يمارسها كثيرون كلّ يوم، وفتح لها الإعلام أبوابه، بقصد أو بغير قصد، وتناحرت كل القوى، ليضعف الجميع، أمام عدو آخر، يتربص، ليقتل. قد تكون حكومة الترويكا في منتهى الضعف، لتتصدّى لكل مظاهر الإرهاب، لكن الأهم أن المعارضة عملت على إضعاف هذه الحكومة، وعلى تعميق عجزها، ما مكّن لآلة القتل أن تعمل بكل سهولة، فابتدأت بشكري بلعيد، ووصلت إلى قتل جنودنا البواسل، أبناء الفقراء.

وبعد سقوط هذه الحكومة الضعيفة العاجزة، لأسباب ذاتية وموضوعيّة، وحلّت محلّها حكومة التكنوقراط، ما الذي كان عليها أن تفعله أمام الانفلاتات والإرهاب بجميع مظاهره؟ تكمن مشكلة هذه الحكومة في أنها مجرّد أداة في يد من اخترعها، وآلة للتصفية الأيديولوجيّة، ضد خصم سياسي، وجد نفسه في ورطة الحكم. حكومة التكنوقراط جاءت لمراجعة التعيينات التي وقعت في عهد الترويكا، وتحييد المساجد، ولا دور آخر لها، غير الاقتراض، وفرض مزيد من الأتاوات على الفقراء.

وأمام استفحال الإرهاب، والمزيد من عمليات القتل، بدل أن تتوجّه حكومة جمعة إلى لمّ شمل وزارة الداخليّة التي انتشر عفنها في كلّ مكان، ولم يعد انقسامها خافياً على أحد، فقد قررت هذه الحكومة غلق مساجد عديدة، وبدأت بغلق ثمانية منها في ولاية بنزرت، ثمّ حظرت عمل جمعياتٍ خيرية، وأغلقت مؤسسات اعلاميّة. ومع أن جمعة هو الأول في تاريخ تونس الذي يأمر بغلق مسجد، فحتى الاستعمار الفرنسي لم يفعلها، فهل سيكون غلق المساجد حلاّ للقضاء على الإرهاب الدموي؟

أبداً، لن يكون ذلك سوى خطوة في الطريق الخاطئ، الطريق الذي سيستفز كثيرين، ويثير كثيرين، لأنّ الإرهابيين الحقيقيين لا يسكنون المساجد، ولا يلتحون، ولا يجلبون لأنفسهم الشبهات، بارتياد المساجد أو اللحى. ولا شكّ في أن مهدي جمعة، وحكومته ومستشاريه، يعلمون مدى خطورة ما أقدموا عليه.

محجوب قاهري
محجوب قاهري
محجوب أحمد قاهري
طبيب وناشط في المجتمع المدني، يكتب المقالات في عدد من المواقع في محاولة لصناعة محتوى جاد ورصين.
محجوب أحمد قاهري