"لا مثقفين إلا أهل اليسار"

16 اغسطس 2015
+ الخط -
جاء مؤتمر المثقفين التونسيين ضد الإرهاب ليثبت "نظرية" أن لا مثقفين في تونس إلا الذين ينتمون إلى اليسار، وهي مقولة طالما رددها كثيرون منذ الثمانينات، واقتنع بها الحكام الذين حكموا تونس تباعا، بما فيهم حركة النهضة الإسلامية.
وقد يبدو الأمر منطقيا، أن لا وجود لمثقفين غير اليساريين في تونس، وذلك لحضورهم في أغلب مفاصل الدولة، وظهورهم وحدهم على الساحة الإعلامية. لكن، ليس لهذه النظرية من دليل. فمشكلة المثقفين غير اليساريين أنهم تعرضوا إلى عمليات استئصالية في كل مراحل بناء الدولة التونسية. فالجيل الأول الذي استحوذ على الدولة بعد استقلالها كان يسارياً بلشفيا، على النسق البورقيبي، وكان إقصائيا بامتياز، فمنهم من لازال يحكم وقد بلغ من العمر عتيا، ومنهم من ورّث الحكم إلى شخوص من المدرسة الفكرية نفسها، ابتداء بالأبناء والأقارب والأصدقاء، حيث المشترك الوحيد هو الحقد الأعمى على الهوية، وعلى الإسلاميين في مجملهم. وما بعد مرحلة بورقيبة، استعمل الرئيس المخلوع، بن علي، اليساريين، أشدّ أعداء الإسلاميين، للتخلص من منافسه القوي الذي كشفته الانتخابات التشريعية سنة 1989. وقد كان للأستاذ محمد الشرفي، رحمه الله، اليد الطويلة للقطع مع الهوية في البرامج التعليمية، وعلى إخراج كل نفس إسلامي من المعادلة التربوية في تونس.
ويعتبر "مؤتمر المثقفين التونسيين ضد الإرهاب"، أخيراً، أكبر شاهد على أن معظم المثقفين اليساريين استئصاليون بامتياز، على الرغم من ادعائهم التمسك بالديمقراطية والحرية والتشاركية والتقدمية، باعتبار ثلاثة أسباب. الأول، يكمن في المشرفين على المؤتمر، فهؤلاء لا يعرف عنهم غير التطرف وإحداث الفرقة. فالعميد القزدغلي أقام الدنيا وأقعدها، واغلق جامعات بأكملها، وطرد فتيات وحطم مستقبلهن للبسهن النقاب. والأستاذة رجاء بن سلامة لا تترك فرصة للهجوم على الإسلاميين والدعوة إلى استبعادهم، وأحيانا التهكم على معتقداتهم. كما لم تتم دعوة أي مثقف من الطرف المقابل، للمشاركة في صياغة بيان المؤتمر، واقتصرت الدعوات على قول إن الباب مفتوح يوم إقامة المؤتمر، ومن شاء فليحضر، بمعنى من شاء فليأت ليدعم قراراتنا، وإن كان غير مؤمن بها، على أساس أن لا مثقفين غير أهل اليسار وجماعتهم، فهم أدرى بكل شيء.
السبب الثاني يكمن في البيان الختامي للمؤتمر. إذ ذهب مباشرة إلى إلصاق تهم الإرهاب بالإخوان المسلمين الذين برأتهم محاكم بريطانيا وأميركا والنرويج، وغيرها من الدول الغربية، واعتبرتهم فصيلا سياسيا مسالما، ولم يتهمهم سوى ضاحي خلفان وخليفة حفتر وعبد الفتاح السيسي، وزاد الأخير على اتهامهم بالإرهاب، بأن أقام لهم مجازر، ولأجسادهم ساحات شواء على الهواء مباشرة.
والسبب الثالث في البيان نفسه، حيث تم ربط الظاهرة الإرهابية فقط بالتيار الإسلامي في عمومه، مع أنه لا دين للإرهاب، وهو متناثر من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، حيث إنه فكرة يحملها ويؤججها متطرفون، ويعمل على تنفيذها حمقى مغرر بهم. وقد صرّح نبيل القروي إن من بين المثقفين المفترضين من كان يدعو إلى قتل أكثر من 20 ألف تونسي من أجل إسقاط الترويكا، التي يمثل الإسلاميون عمودها الفقري، وافتكاك الحكم منهم. كما ينظّر آخرون لإعادة رحى بن علي، واستعمال المجهر لاكتشاف كل من كان هواه إسلاميا، فناصر هذا التيار أو انتمى إليه، لطرده وعزله من عمله داخل المؤسسات، وذلك فيما يسمى بحرب التعيينات.
يوصلنا هذا الحديث إلى نتيجتين. الأولى، إنه ليس صحيحا أن لا مثقفين غير اليساريين في تونس، وإنما النسق التاريخي للأحداث، وعمليات الإقصاء الممنهجة سنوات هي التي منعت ظهور المثقفين الآخرين. والثانية أن الإقصاء سيتواصل سنوات أخرى، لأن أصحاب القرار المؤسساتي في تونس هم في عداء دائم للإسلاميين، وإن الساسة الإسلاميين، وقد أتيحت لهم فرصة الحكم، أثبتوا ضعفهم وقابليتهم للتطويع من القوى الأخرى، حتى ضدّ أبنائهم.















محجوب قاهري
محجوب قاهري
محجوب أحمد قاهري
طبيب وناشط في المجتمع المدني، يكتب المقالات في عدد من المواقع في محاولة لصناعة محتوى جاد ورصين.
محجوب أحمد قاهري