يقاطعون تركيا ويترامون في أحضان إسرائيل
حملات إعلامية، عبر وسائل التواصل، من أجل خلق رأي عام في السعودية والإمارات ضد كل ما هو تركي. والهدف المعلن "مقاطعة تركيا بشكل كامل على أصعدة الاستثمار والسياحة والتجارة"، بما في ذلك الشركات التركية العاملة في السعودية، كما ورد في الدعوة الموجهة من رئيس مجلس الغرف التجارية السعودية، عجلان العجلان. وانفردت السعودية، وحدها، حتى الآن، بالحملات التي تصدّرت موقع تويتر في البداية، مرفقةً بشعاراتٍ وعباراتٍ تحث المواطنين على التوقف عن التعامل مع كل ما هو تركي. وبعد ذلك كثفت مؤسسات وشركات سعودية، تعمل في قطاعات تجارية وصناعية مختلفة، حملتها الداعية إلى مقاطعة المنتجات التركية في أسواق المملكة. وحسب وسائل إعلام سعودية، فإن الحملات امتدّت إلى الشركات العقارية والمتاجر الإلكترونية. وتناقلت وسائل التواصل أنباء عن تعليمات وتوجيهات صدرت للسعوديين والإماراتيين بعدم السفر إلى تركيا، وبيع الممتلكات العقارية وتصفية المشاريع الاستثمارية. وقدّر العجلان أن المقاطعة ستكلف الاقتصاد التركي ما يقارب 20 مليار دولار.
لم تسلك الإمارات الطريق نفسه لأسباب تجارية بحتة، ولكنها تشارك السعودية الهدف نفسه. ووفق الجانب المباشر للمسألة، هي محرّك أساسي لحملة العداء لتركيا، في وقتٍ تبذل فيه جهودا كبيرة من أجل تسويق عملية التطبيع مع إسرائيل، وتكرس لذلك كل طاقتها في الداخل والخارج، إلى حد سجن كل مواطن إماراتي يبدي موقفا مختلفا من التطبيع، وهناك معلومات عن التحفظ على شخصيات إعلامية، وأخرى تم تكليفها من أجل الكتابة في الصحافة بغرض ترويج التطبيع. وفي الاتجاه المعاكس، فإن أجواء العداء لتركيا سارية على نطاق واسع، وأول من بادر إليها الإمارات التي احتفت وسائل إعلامها بالانقلاب الذي نفذته جماعة فتح الله غولن في 15 يوليو/ تموز 2016. وأصدرت أنقرة مذكرة حمراء ضد محمد دحلان، القيادي المفصول من حركة فتح ومستشار ولي عهد أبوظبي، متهمة إياه بلعب دور رئيسي في محاولة الانقلاب الفاشلة، كاشفة عن علاقته بتنظيم غولن. وجاء في حيثيثات الاتهام التركي أن الإمارات موّلت الانقلاب الذي جرى التخطيط له في أبوظبي.
لم ترد تركيا على الحملات رسميا أو عبر وسائل الإعلام، وهذا موقفٌ يعكس حسّا مسؤولا حيال العلاقات بين الدول والشعوب، والتي لا تدار بالنزوات وردّات الفعل والمزاجيات الآنية والمرضية لبعض الحكام الذين لا يحسبون الخلافات بمقادير مدروسة. وتتصرّف السلطات التركية وكأن حملة المقاطعة المعلنة من السعودية لم تكن، ليس من باب التجاهل، بل من منظور مغاير لمعالجة الأزمات، وهذا تصرّف الدول الكبرى والمتحضرة التي تترفع عن النكايات، وتترك باب الدبلوماسية مفتوحا مهما كانت الخلافات. والمفارقة هنا أن الحملة السعودية تصاعدت مع موعد الذكرى الثانية لاغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2018، وبدلا من أن تستغل أنقرة المناسبة للتصعيد ضد الرياض التي تهرّبت من استحقاق محاكمة قتلة خاشقجي، جاء الهجوم من الطرف السعودي.
وفي سياق هذه القضية، يمكن للمراقب الخارجي أن يعثر، في السنوات الأخيرة، على قدر كبير من التحريض الإعلامي والسياسي من أبوظبي والرياض ضد أنقرة، ولا يمكنه أن يجد مبرّرا واحدا صلبا يسند ذلك. وعلى الطرف الآخر، كانت اليد التركية ممدودة إلى هذين البلدين ضمن رؤية تعاون شاملة مع العالم العربي، تقوم على استراتيجيات بعيدة النظر. ومن دون شك، أدّت المساندة التركية لموقف قطر ضد الحصار الرباعي في 5 يونيو/ حزيران 2017 إلى رفع منسوب العداوة ضد تركيا، إلا أنه قبل ذلك لم يكن هناك من أسباب تبرّر هذه العداوة لتركيا من أبوظبي والرياض.