وطن قومي للناصريين في صحراء النقب
في هذه اللحظة العربية، حالكة السواد، يحق لبنيامين نتنياهو أن يعبر عن سروره بأن الدول العربية لم تعد ترى إسرائيل عدواً بل حليفاً، بل إن رئيس حكومة الاحتلال يبدو مجاملاً للغاية، إذ أن بعض الأنظمة العربية لا تتورع عن القيام بدور الخادم، لا الحليف، للسيد الصهيوني، كما في حالة نظام عبد الفتاح السيسي الذي يحيا على ما يتساقط من موائد الطعام الإسرائيلي، المعجون بالدم العربي.
في هذا الواقع العربي البائس، لن يكون غريباً أن نسمع، في المستقبل، عن تشكيل حملة قومية صهيونية ضد التطبيع مع الحكومات العربية، أو أن يرى في مصافحة حاخام صهيوني لشيخ الأزهر أو البطريرك خيانةً وتفريطاً في الثوابت الإسرائيلية، ونقرأ في الصحافة العبرية عن قوائم العار الصهيونية التي ضبطت تمارس فعل الهرولة في اتجاه الدول العربية.
وربما في مستقبلٍ أبعد من ذلك، تطرح مسألة "فلول الناصريين والقوميين والإسلاميين" الرافضين دولة إسرائيل اليهودية، الكاملة، للنقاش، وأن نجد أنفسنا بصدد مشروعهم لتجميعهم من الشتات في العواصم العربية، ذات العلاقة الحميمية مع الامبراطورية الإسرائيلية، وإنشاء وطن قومي لهم في صحراء النقب، مثلاً.
يوقن الصهاينة أن الزمان الرسمي العربي بات إسرائيلياً بامتياز، وأن حكومات عربية تقاتل ضد مشروع مقاومة الاحتلال على نحوٍ أكثر شراسةً من الجنود والمستوطنين الصهاينة.
مصر الآن، مثلاً، تحارب ضد سيناء، وضد الفلسطينيين، ببسالةٍ تتفوق بها على آلة الحرب الصهيونية، ومشروع تفريغ سيناء من سكانها يمضي بسرعاتٍ مذهلة، والأنباء عن قرب الانتهاء من إنشاء مدينة الإسماعيلية الجديدة، على الرمال الموصلة بين سيناء ومدن قناة السويس، تجعل من الأهمية النظر إلى التسريبات الخاصة بتوافق صهيوني أميركي، على خطة مقترحة من عبد الفتاح السيسي، لتوطين الفلسطينيين في سيناء، على أنها ليست ضرباً من الخيال، ولا تنتمي للفانتازيا السياسية، بقدر ما تعبر عن إدراكٍ كامل لدى صانع القرار الإسرائيلي بأن دولة الاحتلال تعيش لحظة ليس فيها مستحيلات.
صحيح أن الإدارة المصرية التزمت الخرس، ولم تجرؤ على النفي أو الرد، وصحيح أيضاً أن بنيامين نتنياهو نفى أن يكون قد تم بحث هذا الموضوع، في مباحثاته مع الرئيس الأميركي، لكن الصحيح أيضاً أن فكرة محو الوجود العربي في فلسطين، وصولاً إلى يهودية دولة الاحتلال، بشكل كامل، صارت عقيدةً حاكمة للتصور الصهيوأميركي لجغرافيا المنطقة.
الكلام عن "يهودية إسرائيل" والتخلي عن مشروع حل الدولتين يعني، بداهة، الأسرلة الكاملة للأراضي الفلسطينية، وهذا يعني بالضرورة البحث عن مكان بديل للفلسطينيين الرافضين للاذعان لمشروع محو فلسطين من الجغرافيا والتاريخ، والرضا بالعيش، أقلية عرقية، داخل دولة الاحتلال.
ولو وضعت تصريحات الوزير الإسرائيلي، أيوب قرا، عن خطة السيسي لتوطين الفلسطينيين في سيناء، بجوار تصريحات نتنياهو خلال لقاء مع نظيره البلجيكي، شارل ميشيل، وفيها "إنني أتطلع إلى اليوم الذي يكون لدينا فيه فلسطينيون يستعدون للاعتراف، أخيراً، بالدولة اليهودية"، وهي التصريحات التي عاد وكرّرها في واشنطن، فإن الأمر يضعنا أمام سيناريو كابوسي، تمتلك إسرائيل الآن وسائل تحقيقه، خصوصاً أن الدولة العربية الأكبر، مصر، انتقلت من كونها دولة مواجهة، ولو محتملة، إلى دولة موالاة وتبعية كاملة للتصور الإسرائيلي لمستقبل المنطقة.
والثابت أن مشروع يهودية إسرائيل كان حاضراً في ذهن معسكر الحشد للانقلاب على حكم الرئيس محمد مرسي، وتثبيت عبد الفتاح السيسي مكانه، تحقيقاً لرغبة صهيونية محمومة، ففي معمعة الحشد ضد حكم محمد مرسي في مصر، وتجييش الثورة المضادة للجماهير ضد حكم "الإسلام السياسي"، وضعت كتلة اليمين الإسرائيلي في الائتلاف الحكومي، "الليكود"، و"إسرائيل بيتنا"، و"البيت اليهودي"، نصّاً معدّلاً لمشروع قانونٍ يعتبر إسرائيل دولة يهودية ذات نظام ديمقراطي، بدلاً من النص السابق الذي وصف إسرائيل بأنها "دولة يهودية وديمقراطية".
كان ذلك يوم الأربعاء 26 يونيو/ حزيران 2013، قبل معركة الثورة المضادة ضد ربيع مصر العربي بأربعة أيام، حيث سعى اليمين الصهيوني المتطرّف، حسب صحيفة هآرتس، إلى صياغة الدولة على أسسٍ دينية عرقية، مفضّلاً الهوية اليهودية للدولة على السمات الديمقراطية التي تسعى الدول اليوم إلى إحيائها.
حدث ذلك، ولا يزال، بينما يصنّف بعض العرب المقاومة الفلسطينية إرهاباً، لا شيء إلا لأنها، بحسب صياح دجاج حظيرة الاعتدال الزائف بعبرية نتنياهو الفصيحة، تمثل "الإسلام السياسي"، بينما يقفون خُرساً، عراةً من كل خجل، وهم يتابعون مراحل تحقق دولة "اليهودية السياسية".