واشنطن على خط توتّر بين روسيا وأرمينيا

واشنطن على خط توتّر بين روسيا وأرمينيا

21 سبتمبر 2023

(حمزة بونوة)

+ الخط -

على خلفية الفتور المستمرّ في العلاقات الروسية الأرمينية، اعتبرت موسكو خطوة يريفان تنظيم مناورات عسكرية مع أميركا، استفزازية. ورغم صغر حجم التدريبات، قال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إن هذه الأنباء تثير القلق، سيما في الوضع الراهن، لذلك سنحلل هذه الأحداث بعمق ونراقب الموقف. وأعلنت يريفان عن بدء تدريبات عسكرية مشتركة مع واشنطن، منذ 11 سبتمبر/أيلول الجاري، في تطوّر قد يحمل توقيته رسائل إلى روسيا، وذلك في بيان لوزارة الدفاع الأرمينية.

السؤال هنا: ما الذي يربط الدولة القوقازية، أرمينيا، وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهذه الدولة شريكة روسيا الاستراتيجية، وتدخل في كل تحالفاتها الاقليمية والدولية؟ بدأت علاقات البلاد مع الحلف عام 1992، عندما انضمّت إلى مجلس تعاون شمال الأطلسي، وتم استبدال هذا المنتدى في 1997 بمجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية، الذي يجمع كل الحلفاء والدول الشريكة في المنطقة الأوروبية الأطلسية، وفقاً لمواد "الناتو". ومنذ 1994، تشارك أرمينيا في برنامج الشراكة من أجل السلام، وشاركت في مهمّات الحلف في العراق وأفغانستان، وشاركت بنشاط في العملية التي قادها الحلف في كوسوفو، في حين رفضت أرمينيا، عام 2023، التدريبات المشتركة في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي، والتي تضم أيضًا بيلاروسيا وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان.

يجدر التذكير هنا بأن لروسيا قاعدة عسكرية في أرمينيا، كما تحتفظ بقوات لحفظ السلام في المنطقة لمتابعة الالتزام بتنفيذ الاتفاق الذي أنهى حرب كاراباخ الثانية بين أرمينيا وأذربيجان أواخر العام 2020 ، ويقوم حرس الحدود الروسي بحراسة حدود أرمينيا مع تركيا وإيران، كما تعد أرمينيا عضوا في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، إضافة إلى أن روسيا تعدّ المستثمر الرئيسي في أرمينيا. ولكن، ما الذي يؤدي إلى تفاقم العلاقات بين روسيا وأرمينيا، حيث هناك دلائل أخرى على أن العلاقات بين موسكو ويريفان مستمرّة في التدهور؟ وفي مقابلة مع صحيفة إيطالية، قال رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، قبل أيام: وفقاً للسلطات الروسية، تدفع الدول الغربية يريفان إلى طرد روسيا من منطقة جنوب القوقاز. ولكن روسيا نفسها، بحسب باشينيان، تخرج من المنطقة، بسبب الخطوات التي تتّخذها أو التي لا تتّخذها. وقال باشينيان، "لا ينبغي لأرمينيا أن تعتمد فقط على روسيا في بناء الأمن الإستراتيجي، فقد تذوّقت البلاد بالفعل الثمار المرّة بسبب هذا الخطأ". وأضاف إن "يريفان اعتمدت بنسبة 100% تقريبا على موسكو، لكن روسيا نفسها تحتاج اليوم إلى أسلحة، ومن الواضح أنها لن تكون قادرة على توفير احتياجات أرمينيا".

في ظل تجاذبات إقليمية ودولية، إنّ العلاقات بين موسكو ويريفان باتت على عتبات توتر تاريخي وغير مسبوق، بعد اتهاماتٍ وتصريحاتٍ متبادلة بين مسؤولي الدولتين

شكوى أخرى ليريفان هي عدم تحرّك موسكو في سبتمبر/ أيلول 2022، عندما طالبت أرمينيا روسيا وحلفاءها في منظمة معاهدة الأمن الجماعي بإدانة تصرّفات أذربيجان، لكن ذلك لم يحدُث، ولذلك قرّرت أرمينيا، على وجه الخصوص، إلغاء تدريبات المنظمة التي كان من المقرّر إجراؤها في عام 2023. ولم تتفّق موسكو مع تصريحات باشينيان. وبحسب بيسكوف، روسيا جزء من جنوب القوقاز. وقد أكد أن موسكو ستستمر في كونها الضامن للاستقرار في المنطقة، وقال المتحدث باسم الكرملين أنه بعد انتهاء حرب كاراباخ الثانية، وقعت أحداث جديدة غيّرت الوضع قليلاً، لكن هذا لا يعني أن روسيا ستقلص أنشطتها بطريقة أو بأخرى.

والواضح اليوم في ظل تجاذبات إقليمية ودولية أن العلاقات بين موسكو ويريفان باتت على عتبات توتر تاريخي وغير مسبوق، بعد اتهاماتٍ وتصريحاتٍ متبادلة بين مسؤولي الدولتين. ومن غير المستبعد أن يكون لهذه التطورات تداعيات كبيرة على منطقة جنوب القوقاز، وعلى مستقبل التحالفات والترتيبات الجيوسياسية هناك، حيث لعبت العلاقات الروسية الأرمينية دورا رئيسيا في السياسة الخارجية والإستراتيجية لكلا الجانبين في فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي.

يعمل باشينيان عمداً على مفاقمة سوء العلاقات مع موسكو باستخدام إشارات مختلفة

وسرعان ما انتقل باشينيان من الأقوال إلى الأفعال، بعد اعتباره أن هناك خيبة أمل لدى الشعب الأرميني من عمل منظمة معاهدة الأمن الجماعي. ووفقاً لاقتراحه، في 5 سبتمبر/ أيلول الحالي، استدعت أرمينيا فجأة ممثلها الدائم لدى منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وجرى إرساله سفيراً لأرمينيا لدى هولندا، ومندوباً دائماً لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ومقرّها لاهاي. وفي السياق العام للأوضاع، بدت عملية إعادة التوزيع هذه مثيرة للغاية، لأن المقرّ الرئيسي للمحكمة الجنائية الدولية في هولندا أيضا، حيث قدّمت الحكومة الأرمينية إلى البرلمان نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية للتصديق عليه، ما يعني أن قراراتها ستكون ملزمة للجانب الأرميني، بما في ذلك مذكّرة الاعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي أصدرتها المحكمة في مارس/ آذار الماضي.

يبقى القول إن باشينيان يعمل عمدًا على مفاقمة سوء العلاقات مع موسكو، باستخدام إشارات مختلفة، من تصريحات في وسائل الإعلام، وإجراءات للتصديق على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ومناورات مع الولايات المتحدة، فضلاً عن استدعاء الممثل الدائم لأرمينيا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي. والغرض من هذا كله وضع روسيا على المحكّ من أجل اكتشاف حدود قدرتها على حل تشابك التناقضات وتعقيدها في ناغورني كاراباخ.