هل ينهزم بوتين؟
عاكست الرياح سفن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ولم تأتِ حسابات الميدان على هواه. وها هي الحرب على أوكرانيا توغل في شهرها الثالث، من دون تحقيق إنجازات عسكرية روسية فعلية، باستثناء أنّ القوات الروسية باتت تسيطر على مراكز بعض المدن، مثل خاركيف وخيرسون وماريوبول، بينما خسرت معركة دخول كييف التي كانت الهدف الأول للاجتياح الروسي، وسحبت جنودها من محيطها، كما أنّها لم تتمكّن من إحكام القبضة على كامل مساحة أراضي الجمهوريتين الانفصاليتين، دونتيسك ولوغانسك. وكل ما استطاعت أن تضع يدها عليه من أراضي أوكرانيا، دفعت ثمنه غالياً من جيشها واقتصادها وسمعتها، بالإضافة إلى الدمار الكبير الذي ألحقته بالعمران في أوكرانيا، وهذه مسألة لا يمكن أن تمر من دون تبعاتٍ في المستقبل، تتحملها روسيا، سواء ربحت الحرب أم خسرتها، وهي التي ستنتهي ذات يوم.
عدم القدرة على السيطرة على كييف وإطاحة الرئيس فلوديمير زيلينسكي، وتعيين سلطة عميلة لموسكو محلّ الحكومة الشرعية المنتخبة، هو هزيمة مباشرة لبوتين. وفشل بسط النفوذ على كامل إقليم الدونباس هزيمة ثانية، وهناك هزائم أخرى أكبر تلوح في الأفق، في ظل تدفق الأسلحة الغربية النوعية على أوكرانيا، وخصوصاً في الأسبوعين الأخيرين، وفي الأسابيع المقبلة، والدليل على ذلك الاستنفار الأميركي في البيت الأبيض والكونغرس، وتكثيف الزيارات الميدانية من المسؤولين الأميركيين، وآخرهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي التي زارت كييف، بعد أقل من أسبوع على زيارة وزيري الخارجية أنتوني بلينكن والدفاع لويد أوستين، تحت ضغط الكونغرس الذي أجاز 33 مليار دولار لتمويل مساعدة الأوكرانيين، ومدّهم بأسلحة متطوّرة من أجل جولة جديدة من الحرب باتت قريبة جداً.
ذهب بوتين إلى الحرب وفي حسابه إطاحة النظام الدولي، وفرض شروطه على أوكرانيا والولايات المتحدة وأوروبا، وبسبب سوء حساباته بات مهدّداً أن تخسر بلاده موقعها الدولي السابق، وبدلاً من تفاهمات واتفاقات عدم اعتداء، كان في وسعه التوصل إليها مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، قبل أن يلجأ للحرب، ها هو يواجه حرباً بالوكالة يضع فيها الحلف كلّ ثقله من أجل هزيمة روسيا التي تهدّد بالسلاح النووي كردّ على المخاطر التي باتت تستشعرها مع استمرار الحرب واتساع رقعتها وارتفاع خسائرها الاقتصادية والبشرية، ورغم أنّ مسألة النووي ليست بهذه البساطة، وهو سلاحٌ ذو حدّين لن يلحق ضرره بطرف واحد، وسوف يجر إلى مواجهة كارثية، فإنّ الأطراف الغربية تأخذ تهديدات بوتين على محمل الجدّ، بعدما اجتاح دولة ذات سيادة ولم يحسب حساباً لردود الفعل، بل غامر وأرسل جزءاً كبيراً من قواته، وخسر قسماً منها في حربٍ لم يدرسها جيداً. وفي الرابع والعشرين من فبراير/ شباط، اليوم الذي غزت فيه روسيا أوكرانيا، وجّه بوتين تحذيراً قال فيه: "بغض النظر عمن يحاول الوقوف في طريقنا، أو أنّه يشكّل تهديدات لبلدنا وشعبنا، يجب أن يعلموا أنّ روسيا ستردّ على الفور، وستكون العواقب كما لم ترها في تاريخك بأكمله". وبعد ثلاثة أيام، وضع قواته النووية على "استعداد قتالي خاص". ومن يومها جرى تفسير هذا على نطاق واسع على أنّه تهديد باستخدام الأسلحة النووية. وهناك من الخبراء الغربيين من يرى أنّ استخدام السلاح النووي بات الآن أكثر احتمالاً، من أي وقتٍ مضى منذ الحرب الباردة، وأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. وبالتالي، من المستحيل للردع النووي أن يعمل بشكل صحيح لأنّه يتطلّب صنّاع قرار عقلانيين، كما حصل خلال أزمة الصواريخ الكوبية. وإذا تعرّضت روسيا للهزيمة، حتى من دون استخدام الأسلحة النووية، من غير المستبعد أن تلقي موسكو قنبلة نووية تكتيكية على إحدى دول "الناتو" أو ضد أوكرانيا.