هل يعود ترامب إلى البيت الأبيض؟
انقضى الصخب الذي رافق الرئاسيات الأميركية التي انتظمت أخيرا، بعد تسلم جو بايدن مهامه رسميا. لكن أسئلة كثيرة تستجد بشأن المستقبل السياسي للرئيس السابق دونالد ترامب، في ظل محاولات خصومه في الحزب الديمقراطي استكمال إجراءات مساءلته، لإنهائه سياسيا وطي صفحته إلى الأبد.
يدرك خصوم ترامب أن تصفية إرثه السياسي تكاد تكون مستحيلة، بعدما نجح، على مدار السنوات الأربع الفائتة، في بناء يمين أميركي شعبوي، مسنود بقاعدة اجتماعية عريضة، وإعادةِ توجيه بوصلة الحزب الجمهوري الذي بات هذا اليمينُ يشكل جزءا من معادلته الداخلية. وبذلك يفتح ترامب المجال أمام تشكّل تقاطبٍ حادّ داخل الحزب الجمهوري، بين تيارٍ يرى أنه أصبح رقما أساسيا داخل الحزب، وبالتالي لا تعدو مساءلته أن تكون، في المحصلة، استهدافا للحزب في مسعى إلى إضعافه وتحجيم نفوذه، وتيار ثانٍ يرى أن ترامب صار عبئا على الحزب، ينبغي التخلص منه، بعد الخسائر التي تكبدها هذا الأخير على أكثر من واجهة. ويعي ترامب جيدا هذا التقاطب، ويسعى إلى مصادرة عوائده المختلفة بالمراهنة على اليمين المتطرّف الذي أصبح يمثل طيفا عريضا داخل الحزب. ولذلك، أي مساع للتضحية بترامب في الفترة المقبلة قد تكلف الحزب غاليا، ولا سيما في ظل تمتعه بدعم قوى مالية وإعلامية وازنة ومؤثرة. ومن ثم، يتعدّى سؤال عودته إلى البيت الأبيض في 2024 حساباته الشخصية والسياسية نحو مساءلة مستقبل الديمقراطية الأميركية، التي ستواجه تحدّيا كبيرا في حالة إذا ما قرّر خوض السباق الرئاسي المقبل.
من الناحية القانونية، ليس هناك ما يمنع ترشح ترامب مرة أخرى لمنصب الرئاسة. ولكن العرف استقر على أن الرؤساء الذين يخفقون في تجديد انتخابهم لولاية ثانية، لا يحوزون ثقة الحزب الذي ينتمون إليه، وذلك بسبب دوران النخب الذي يحكم مساحة واسعة من السياسة الأميركية. وعلى الرغم من أن هناك استثناء وحيدا في تاريخ الولايات المتحدة يتعلق بالرئيس غروفر كليفلاند، الذي انتخب لولايتين غير متتاليتين (1885- 1889) و(1893 – 1897)، إلا أنه لم يجد طريقه لاحقا نحو الترسّخ. ما يعني أن ترشح ترامب لولاية ثانية سيكون اختبارا صعبا، لأن الأمر لن يخصّ شخصه فقط، بقدر ما سيخصّ الترامبية تيارا فكريا وسياسيا مرشّحا للتمدّد أكثر داخل المجتمع الأميركي، أمام إخفاق النخب التقليدية في إدارة التحولات التي شهدها هذا المجتمع خلال العقود الأخيرة، بعد اتساع نطاق العولمة وصعود مشكلة المهاجرين والأقليات في الولايات المتحدة. وهو ما يعني احتمال ترشّح شخصية ترامبية أخرى، تحظى بدعم الحزب الجمهوري وجماعات اليمين المتطرّف، بحيث يتخذ الأمر شكل صفقة بين ترامب وحزبه، بحيث يكون تنازله عن الترشح في 2024 وحفظ وحدة الحزب، في مقابل دعم الأخير مرشّحا ''ترامبيا'' آخر.
قال ترامب، في أثناء مغادرته مقر البيت الأبيض، إنه "يأمل بألا يكون غيابه طويلا''، وفي ذلك إشارة دالة إلى مؤيديه وخصومه، على حد سواء، إلى أن خسارته الاقتراع الرئاسي أخيرا ليست إلا جولة في معركة طويلة بين ديمقراطية أميركية تريد أن تبقى راسخة وعصية على التجديد وفق ترامب، وتيار يميني شعبوي يتوخّى إعادة بناء السياسة الأميركية وفق منطق تفوق العرق الأبيض، ومعاداة الأجانب والمهاجرين والأقليات.
أحدث ترامب ارتجاجا غير مسبوق في مقتضيات هذه السياسة. وكان اقتحام مناصريه مبنى الكونغرس بتحريضٍ منه، مطلع شهر يناير/ كانون الثاني الجاري، العنوان الأكثر دلالة على هذا الارتجاج، فقد تأكد بالملموس أنه أفلح في شرعنة الشعبوية، وتوسيع قواعدها داخل المجتمع الأميركي، ليس فقط لأنه أقنع فئاتٍ واسعةً بأن الانتخابات قد زوّرت لصالح جو بايدن، وأن مغادرته منصب الرئاسة كان نتيجة مؤامرة محكمة، بل لأنه أفلح، كذلك، في أن يجعل هذه الشعبوية على سلم أولويات النخب الأميركية التي ستكون مطالبة، في المستقبل، بالتعاطي معها كأمر واقع داخل النظام السياسي الأميركي.