هل يتّجه النظام إلى قمع حراك السويداء؟
بعيداً عن الشعارات وحفريات التاريخ والأمجاد الضائعة، فالنظام السوري أوّل من تاجر بها وباعها بثمن بخسٍ لمشغّليه من الروس والإيرانيين، وهو مُستَعِدٌّ لأن يبيع ما بقي من سورية ليشتري بها وقتاً إضافياً لاستدامة عمره، وبقائه فوق صدور السوريين، سيّما ترقّبه، كما أشيع أخيراً، مكافأة اللاعبين الدوليين في مقابل حراسته الجبهات السورية في حرب غزّة، وتحييدها، خدمة للإسرائيليين.
من هذا الوعد المنتظر، لم يستبعد خبراء أن تكون التعزيزات العسكرية التي أرسلها بشّار الأسد إلى محافظة السويداء، أخيراً، جائرة الترضية، ومنح الضوء الأخضر لممارسته هوايته في قمع المظاهرات وتكميم الأفواه، بعدما فشل في كلّ أساليبه طوال أشهر في زرع الفتن بين أبناء الجبل، وفي مؤامرته التي نسجتها أجهزته البعثيّة والحلفاء من أذرع إيران مع بعض ضعاف النفوس.
وصل جزءٌ من التعزيزات القادمة من دمشق إلى مطار خلخلة في السويداء، وأخرى إلى مداخل المحافظة الشمالية والجنوبية، وإلى المراكز الأمنية، وهي آليات عسكرية مُهترئة، ومركبات دفع رباعيّ، ورشّاشات مُتوسّطة، وحافلات لنقل عناصر من قوّات النظام ومليشيات تابعة لإيران. وهذه، في مجملها، في نظر أهالي السويداء، ومن ناحية القدرة، لا تستطيع تنفيذ مهامّ للدفاع عن الأماكن التي انتشرت فيها، بمعنى أنّ تأديتها مهامّ قتالية ضدّ الفصائل المحلّية داخل المحافظة ستُعرّضها إلى مَقتَلٍ وتدميرٍ كاملين. لذا، فإنّ وصولها من دمشق هو لدواعٍ أخرى؛ إرسال رسائل ردعٍ وترهيبٍ، بعد الإهانة التي تعرّض لها النظام على خلفية اعتقاله الطالب الجامعي داني عبيد الأسبوع الماضي، قبل إجباره على الإفراج عنه لإطلاق سراح ضبّاطه وعناصر أمن الدولة، الذين اعتقلتهم فصائل محلّية ردَّاً على عملية الاعتقال، وهذه اللغة الوحيدة التي يفهمها النظام منذ اليوم الأوّل في الثورة السورية.
حذّر الشيخ الهجري النظام من أيّ عملٍ ضدّ أبناء السويداء، ومن استهداف حراكهم السلمي، مذكّراً بتاريخ أبناء الجبل وبطولاتهم وتضحياتهم
بعد إطلاق سراح عبيد، والاحتفال به في ساحة الكرامة، ساد اعتقاد لدى بعضهم أنّ مرحلة شدّ الأعصاب والتوتّر، التي سادت أياماً، قد انتهت، لكنّ التصريحات التي أطلقها شيخ عقل الدروز حكمت الهجري، عبر بيان نشرته الرئاسة الروحية الاثنين الماضي، تلحظ أنّ النظام يُبيّتُ أمراً ما تجاه محافظة السويداء، إذ حذّر الهجري النظام من أيّ عملٍ ضدّ أبناء السويداء، ومن استهداف حراكهم السلمي، مذكّراً بتاريخ أبناء الجبل وبطولاتهم وتضحياتهم. إذ، أصدر الهجري بياناً يُؤكّد وجود نيّات خبيثة لدى النظام، سيّما أنّ الهجري كان غائباً منذ مدة عن الساحة الإعلامية، بسبب تركيز جهوده في إيجاد أرضية بين التيارات السياسية العسكرية، التي ولدت من رحم الحراك، بغية نقل الفاعلين المدنيين إلى العمل السياسي والعسكري المُنظَّم، وهذا يحتاج لقاءات كثيرة بين كلّ الأطياف في المحافظة وأريافها. وقد جاءت عودته بناءً على تقديره أهمّية المُتغيّرات الجديدة على الساحة، ليس محلّياً فقط، بل حتّى دولياً، وأكثرها أهمّية سيولة التداعيات السورية من جراء استمرار العدوان على غزّة، فأكثر الطروحات في هذا المشهد أهمّية أنّ النظام، وبالتعاون مع إيران، بدأ يتحرّك أمنياً وعسكرياً لإعادة انتشار على حدوده الجنوبية، وتشكيل طوق تهديد حقيقي للأردن، بعد الضربات العسكرية والانتكاسات التي تعرّض لها من إسرائيل، إلى جانب وجود نيّات حقيقة لدى النظام لقمع حراك السويداء وإنهائه، واستكمال معادلة التغيير الديمغرافي، عبر تطهير ما بقي من المُكّون السنّي حول السويداء، وصولاً إلى تلول الصفا.
إن صحّت هذه المعلومات، يمكن القول إنّ تعزيزات النظام التي دخلت إلى محافظة السويداء أبعد من مسألة استعادة هيبة السيادة المُستباحَة في السويداء، بل هي مُقدّمة لتعزيزات، ولخطط انتشارٍ عسكريةٍ لاحقة، وربما تأتي في سياق ترتيب دولي، وبالتعاون مع حلفاء النظام، لإعادة ترتيب ملفّ الجنوب، ونزعه من تحت أقدام المليشيات ليعود إلى كنف سلطة النظام، وهذا تحديداً ما قصدناه بجائرة الترضية المُقدّمة من إسرائيل والأميركيين للأسد في مقابل ضبطه جبهة الجولان، واستجابته للتحذيرات، وتنفيذه الرسائل التي وصلت غليه من دول عربية وأوروبية.
تعزيزات النظام أخيراً في السويداء قد تكون خطوة جاءت بالتنسيق مع إيران
أمام هذا المشهد، واتساع مساحة الرؤى إلى أبعد من شأنٍ محليّ في داخل السويداء، لا أحدَ يستطيع توقّع ما سيحدُث في ملف الجنوب السوري، إذ ارتبط الملفّ بشكلٍ أو بآخر بما ستؤول إليه معارك غزّة، سيّما أنّ الأردن دخل على خط النار، بعد مشاركته في إسقاط مُسيّرات إيرانية قال إنّها اخترقت مجاله الجوي، وهي مشاركة جاءت تماشياً مع مشاركة دول أوروبية، إلى جانب بريطانيا، في التصدّي لردّ إيران على خلفية استهداف قنصليّتها في دمشق مطلع الشهر الماضي (إبريل/ نيسان)، والذي اعتبرته إيران خطوة لن تمرّ من دون حساب.
من كلّ ما سبق، نلحظ أنّ النظام السوري لا يتحرّك إلّا بأوامر مُشغّليه، وتعزيزاته التي نشرها أخيراً في السويداء قد تكون خطوة جاءت بالتنسيق مع إيران، وربما بضوء أخضر إقليمي تحضيراً لعملٍ ما يقود في نهاية المطاف إلى تغيير المعادلة في السويداء لمصلحة النظام، على الأقلّ وضع حدّ نهائي لإهانة الرموز البعثية، وإعادة الاعتبار لمؤسّسات النظام وفروعه الأمنية وثكناته العسكرية.
قد تبدو السيناريوهات والطروحات كثيرة لدى النظام وحلفائه الدوليين، لكنّ تجاهل الجميع تلك الإنجازات التي حقّقها أبناء السويداء ثمانية أشهر من الحراك، وقطعهم مراحل عدّة على مسيرة البعث الأسدية، ولفظهم الدروب التي تقود إلى النظام في دمشق، واعتيادهم ترتيب وإدارة محافظتهم ذاتياً، وتشكليهم أحزاباً سياسيةً وفصائلَ عسكريةً بدائل من مؤسّسات النظام، إلى جانب تضحيات أبناء الجبل وحقائق تاريخهم، والاحترام والتعاطف الدوليين مع أبناء الطائفة الدرزية، قد تضع النظام، وحتّى المجتمع الدولي في موقف حَرِج، فتنفيذ أيّ مخطط خبيث ضدّ أبناء الجبل وحراكهم السلميّ قد يُدخل المنطقة في طوفان من نوع آخر، لم تحسب حسابه الأطراف كلّها، وأحد أكثرها أهمية؛ خروج كامل الجنوب وتحريره من قبضة النظام السوري، وطرد كلّ المليشيات. ومن يدري، لعلّ ما يجري توريط الأسد من بعض الدول، لينزلق إلى مقتله الأخير على أيدي أبناء درعا وجبل حوران والسويداء، وبضوء وغطاء دوليين وإقليميين؟... قد يتحقّق هذا الهدف إذا حسمت، فعلاً، الدول الكبرى، كما تدّعي، أمرها من مسألة تطهير الوجود الإيراني في سورية.