هل عاد الطفل شنودة إلى أهله؟
ذهب مواطن مصري مسيحي، اسمه فاروق فوزي، مع زوجته إلى الكنيسة. وفي الحمّام، وجدا طفلا رضيعا، وكانا لا يُنجبان، فاستشارا الكاهن، فرأى أن يأخذا الطفل، ويتكفّلا به، وقد كان. تبنّى فاروق الطفل، ومنحه اسمَه، وربّاه أربع سنوات، من 2018 إلى 2022. ثم تقدّمت ابنة أخت فاروق ببلاغ ضدّه إلى النيابة العامة، تطعن في نسب الطفل، وتتّهم خالها وزوجته بخطفه. وتقول إن أم الطفل الحقيقية من أفراد العائلة، هربت، وتزوّجت مسلما، وحملت بهذا الطفل، ثم طردها الزوج، فلجأت إلى أهلها الذين رأوا فيما حدث فضيحةً وعارا، فانتزعوا الطفل منها، وأخذه فاروق وزوجته، واخترعا حكاية الكاهن. ولمّا سألها من يحاورها عن سبب تقدّمها بالبلاغ بعد أربع سنوات، واتهام خالها لها بالطمع في ميراثها منه، قالت إنها أبلغت خوفا على مصر.
هل انتهت القصة؟ بل بدأت، انتزعت السلطات الطفل من أبويه، وغيّرت اسمه، وأودعته ملجأ حكوميا (وما أدراك ما الملاجئ في مصر)، ودخل أبوه وأمّه في إشكال قضائي، وطعنا على الحكم بانتزاعه، ولجأ الوالدان إلى المجتمع المدني، واستردّا ابنهما بعد ثمانية أشهر، من العذاب الحكومي، وبشكلٍ مؤقّت، وبشرط استيفاء الإجراءات القانونية الكاملة لكفالته، لا تبنّيه.
والسؤال: لماذا انتزع القضاء المصري الطفل من أبويه؟ لماذا يدفع طفلٌ عمره أربع سنوات أخطاء دولةٍ ووزارةٍ وقضاء ونيابة وقانون، وأبوين؟ لماذا لم تجد الدولة صيغةً لحل المشكل بعيدا عن الطفل؟ لماذا لم تبدأ السلطات (تشريعية - قضائية - تنفيذية) من حقوق الطفل ومصلحته قبل أي شيءٍ آخر؟ ثم لماذا يخضع غير المسلمين إلى تشريع إسلامي يُحرّم التبنّي؟ ولماذا يضطرّون إلى إجراءات وزارة التضامن الاجتماعي للكفالة، فيما تمنحهم الشريعة الإسلامية، نفسها، حقّ الاحتكام إلى شرائعهم (التي لا تحرّم التبنّي) في الأحوال الشخصية، ويقرّ الدستور المصري الحالي بذلك؟
لا إجابة عما سبق سوى أنه لا دولة لدينا، لا دستور، إليه تعود القوانين، ومنه تستمد شرعيّتها، مجرّد حبر على ورق، "سدّ خانة"، فيما تفرض الدولة قناعاتها، عبر موظفيها، ووفق قدرتها على فعل ذلك، حسب الحالة. وجد شنودة من يقاتل لاسترداده، ويحوّل قضيته إلى "رأي عام"، ولذلك اضطرّت الدولة إلى أخذ خطوة إلى الوراء، خصوصا بعد "تضامن" الأزهر مع الطفل، وتصرّفه كـ "مؤسّسة"، واختياره من الآراء التراثية ما يحقّق "مصلحة الطفل" من دون غيره، وهو ما لم تفعله الدولة (بطبيعة الحال).
سؤالٌ آخر، مشروع: لماذا لم يلتزم فاروق وزوجته بقوانين الدولة المصرية، وقد أقرّت كنيستهما بها؟ لماذا أقدما على "جريمة تبنّي طفل"؟ لماذا لم يذهبا إلى وزارة التضامن الاجتماعي ويخضعا للإجراءات "القانونية"؟ قبل الإجابة، إليك طرفٌ من إجراءات وزارة التضامن الاجتماعي وسياساتها ... تشترط الدولة على طالب الكفالة تقديم كل ما يثبت قدرته المادية والصحية والنفسية على "الكفالة"، 11 إجراء، ثم اجتياز دورة تدريبية تحت إشراف الوزارة والنجاح فيها، فهل انتهينا؟ بل بدأنا: خذ عندك، تفرض سياسة الكفالة في مصر على الأب ألا يمنح اسمَه لابنه (ولو لم يكن مسلما)، تحرم الدولة الطفل من أي امتياز، ميراث، معاش من الأبوين، حتى اشتراك النادي، تسمح به قبل مرحلة البلوغ، وبعدها، وبعد تعوّد الطفل على مستوى اجتماعي بعينه، تُلغي عضوّيته، لأنه "مجهول النسب"، التقديم في المدرسة بإذن الوزارة (وباستخدام أوراقها التي تشير إلى أن الطفل مجهول النسب)، التقديم في النادي كذلك، جواز سفر الطفل، بإذن الوزارة، سفر الطفل نفسه بإذن الوزارة، علاج، تعليم، فسحة، عقد عمل للأب، للأم، كله بإذن الوزارة، ورؤية موظفيها، "مدام ميرفت في الدور الرابع"، تقبل أو ترفض، براحتها.
من هنا، يمكنك أن تفهم لماذا لم يلتزم فاروق وزوجته بالإجراءات "القانونية"، ولماذا لا يعد قرار النيابة بعودة شنودة إلى أهله مبشّرا، ذلك لأنه لم يعد الابن "المستور" شنودة ابن فاروق فوزي، صار ابن "الدولة المصرية" أي "مجهول النسب".