هل ساعدت واشنطن تمرّد فاغنر؟

هل ساعدت واشنطن تمرّد فاغنر؟

01 يوليو 2023
+ الخط -

تتواصل ردود الفعل الدولية إعلامياً وسياسياً، بعد تمرّد قائد مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة، يفغيني بريغوجين، على قيادة الجيش الروسي، والذي استمرّ 24 ساعة. وعلى الرغم من أنها ساعات قليلة بين إعلان التمرّد والتراجع عنه، إلا أنها كانت كافيةً لإحداث هزّة في الدائرة المقرّبة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وتثير التكهنات بشأن جنرالات الجيش الروسي، وبين العواصم العالمية التي التزمت الصمت في الساعات الأولى، وبعضها اكتفى بالقول إنهم يراقبون عن كثب ما يجري في شأن داخلي روسي.

وكانت وكالات الاستخبارات الأميركية قد التقطت معلوماتٍ في منتصف الشهر الماضي (يونيو/ حزيران) تفيد بأن بريغوجين كان يخطّط لعملٍ مسلحٍ ضد مؤسّسة الدفاع الروسية، التي اتهمها، منذ فترة طويلة، بإفشال الحرب في أوكرانيا، وأبلغت البيت الأبيض والوكالات الحكومية الأخرى، على وجه السرعة، بذلك، بحسب صحيفة واشنطن بوست.

وقال مسؤولون أميركيون عديدون، مع الساعات الأولى لإعلان بريغوجين التمرّد، إنهم لم يُفاجأوا، وإن التوقيت الدقيق لخطط بريغوجين لم يتّضح إلا قبل وقت قصير من استيلائه المذهل على مقر القيادة العسكرية الروسية في مدينة روستوف، في حين قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بعد إنهاء التمرّد، إن السفيرة الأميركية لدى موسكو "أعطت إشارات" إلى أن الولايات المتحدة ليست متورّطة في التمرّد، وإنها تأمل في سلامة الترسانة النووية الروسية.

وإذا كان من الصعب، أو ربما من المبكّر، الحديث عن دور أميركي غربي مباشر في تمرّد فاغنر، الا أن هناك عوامل عديدة غير مباشرة، ساهم الغرب فيها بتمرّد فاغنر، وتسبّب في صدع بين "فاغنر" والمؤسّسة العسكرية الروسية، فالدعم الغربي العسكري، الذي جعل القوات الروسية تواجه مقاومةً شرسة في أوكرانيا، كشف عن أخطاء عملياتية كثيرة لدى الجيش الروسي، وجعل الصراع والسجال بين "فاغنر" ووزارة الدفاع يخرج عن السيطرة، وبلغ ذروته مع إعلان بريغوجين تمرّده.

ﻓﺸﻞ ﺑﻮﺗﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﺗﺨﺎﺫ ﻣﻮﻗﻒ ﺻﺎﺭﻡ ﺿﺪ ﺍﻟﻤﺮﺗﺰﻗﺔ، ﺃﻭ ﻣﻌﺎﻗﺒﺔ ﺍﻟﻤﺘﻮﺭّﻃﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﺮّﺩ، ﻳﻀﺮ ﺑﺎﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺮﻭّجها عن ﻨﻔﺴﻪ، ﺃﻧﻪ ﺍﻟﻤﺘﺤﻜّﻢ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ

وقال قائد "فاغنر"، بعد أيام من إنهاء تمرّده بوساطة رئيس بيلاروسيا، إن قواته "تعتبر الأكثر خبرة في روسيا وربما في العالم"، مضيفاً أنها "تنفذ مهام عديدة لمصلحة روسيا". وأضاف في تسجيل صوتي: "مجموعتنا تنفذ مهام في أفريقيا والدول العربية ومناطق مختلفة في العالم، حققنا نتائج جيدة في أوكرانيا"، و"لم يرغب أي مقاتل من مجموعتنا التوقيع مع الدفاع الروسية لمعرفتهم مسبقاً من سير العملية العسكرية أنهم سيخسرون قدراتهم، وعدد من وقّع لا يتعدى 2%، كنّا دوما ضد العمل تحت لواء وزارة الدفاع".

وقد تكون أبرز العوامل التي شجّعت تحركات بريغوجين وسرّعتها، وجعلته يتجاوز كل الخطوط الحمراء، انحياز ‎بوتين لصالح المؤسّسة العسكرية الروسية الرسمية، عندما وافق على قرار وزير الدفاع توقيع كل المتطوّعين، بمن فيهم عناصر "فاغنر" عقودا مع وزارة الدفاع، وتحديد مهلة حتى الأول من يوليو/ تموز، بالإضافة إلى أنه قد تكون هناك أطراف داخل الأجهزة وبين الجنرالات الروس تدعم تحرّكات ‎بريغوجين. والعامل الرئيسي انشغال الجيش الروسي بالهجوم الأوكراني المضاد، وتقييده بحيث من الصعب ترك الجبهات، لمواجهة تمرّد فاغنر داخل روسيا.

في ظل تشابك المصالح وتعدّد المهام، إن الغموض يكتنف مصير فاغنر

تفيد تقديرات بامتلاك "فاغنر" خمسة آلاف مقاتل على الأقل في أفريقيا وحدها، معظمهم جنود روس سابقون وبعض المحكومين من السجون الروسية، وهناك عناصر أجنبية أخرى كلهم مقاتلون بالأجر. وعلى المستوى الرسمي، لا صلة لهم بروسيا التي لا يوجد فيها قانون يسمح بتشكيل مجموعاتٍ مسلحة. ولا يدعم انتشار "فاغنر" بهذه الصورة فقط النفوذ الروسي، بل يقدّم فرصة أيضا للكرملين بتقليل خسائر القوات الروسية في أي نزاع تتورّط فيه، لأنه لن يتم الربط رسميا بين قتلى "فاغنر" والقوات الروسية الرسمية، ووفر نفي روسيا علاقة الحكومة بفاغنر إمكانية عدم تحمّل المسؤولية عن أفعال عناصرها في كل مكان.

ﻭﺑﻌﺪ ﺍﻟتمرّد، ﺍﻋﺘﺮﻑ ﺑﻮﺗﻴﻦ ﺑﺘﻤﻮﻳﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺸﺒﻜﺔ فاغنر، بينما، ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ، ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﺳﻜﻮ ﺗﺮﻓﺾ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﺑﻮﺟﻮﺩ "ﻓﺎﻏﻨﺮ" ﺃﺳﺎﺳﺎً، ﺛﻢ ﺗﺤﻮّﻟﺖ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﻬﺎ، ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻐﻴﺮ ﺍﻟمعارك في أوكرانيا ذلك كله. ﻭﻟﺴﻨﻮﺍﺕ، ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﻔﻲ الروسي ﻳﻮﻓّﺮ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻟﻠﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﻮﺫ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻮﻓﺮﻩ "ﻓﺎﻏﻨﺮ" لموسكو، ﻣﻊ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﻋﻦ ﺃﻓﻌﺎﻟﻬﺎ. وﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭﺍﺕ التي استجدّت أﺧﻴﺮا، نكون أمام واقع وحقائق مختلفة. وهذه "ﻭﺍﺷﻨﻄﻦ ﺑﻮﺳﺖ" ترى ﺇﻥ ﻓﺸﻞ ﺑﻮﺗﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﺗﺨﺎﺫ ﻣﻮﻗﻒ ﺻﺎﺭﻡ ﺿﺪ ﺍﻟﻤﺮﺗﺰﻗﺔ، ﺃﻭ ﻣﻌﺎﻗﺒﺔ ﺍﻟﻤﺘﻮﺭّﻃﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﺮّﺩ، ﻳﻀﺮ ﺑﺎﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺮﻭّجها عن ﻨﻔﺴﻪ، ﺃﻧﻪ ﺍﻟﻤﺘﺤﻜّﻢ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ. ﻭﻟﻬﺬﺍ، قد تفيد ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻰ "ﻓﺎﻏﻨﺮ" ﺑﻮﺗﻴﻦ ﺑﺎﺳﺘﻌﺎﺩﺓ ﺛﻘﺔ الدول التي توجد فيها هذه الشبكة ﺑﺎﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﻧﻈﺎﻡ ﻣﻮﺳﻜﻮ. والسؤال الكبير اليوم يتعلق بما إذا كان ﻣﺼﻴﺮ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﻓﺎﻏﻨﺮ يتوقف ﻋﻠﻰ قدرة ﺍﻟﻜﺮﻣﻠﻴﻦ ﻋﻠﻰ إبعاد ﺑﺮﻳﻐﻮﺟﻴﻦ، مع ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻨﺎﻫﺎ ﻓﻲ ﺛﻼﺙ ﻗﺎﺭّﺍﺕ.

يبقى القول، في ظل تشابك المصالح وتعدّد المهام، إن الغموض يكتنف مصير فاغنر، وصحيح أن تمرّدها جرى طي صفحته الأولى، إلا أن صدى ما حدث سيتردّد طويلاً.