هل حقًا هناك انتخابات في مصر 2024؟
بإيقاعِ يتصاعد بهدوء محسوب، بدأ الحديث في مصر الآن عن انتخابات رئاسية في العام 2024. وكالعادة، يتردّد اللحن القديم بتوزيعات مختلفة: على المعارضة والقوى السياسية أن تتفّق على مرشّح واحد تلتف كلّها حوله لمنازلة الجنرال عبد الفتاح السيسي، المرشّح الدائم لحزب الجيش، وإسقاطه بصندوق الانتخابات.
يتكرّر الكلام بنص عباراته متدحرجًا من مشاهد مهزلة انتخابات العام 2018 التي واجه فيها السيسي منافسًا أكثر حماسًا وتأييدًا للسيسي من السيسي نفسه، وانتهى العرض، وساعتها أدرك الجميع أنه لم تكن هناك انتخابات من الأصل، ولن تكون ما دامت البيئة السياسية باقية على حالها.
يتزامن كلام أصواتٍ تمرح في الفضاء العام بكلام عن ضرورة الحشد من الآن لمعركةٍ انتخابيةٍ ضد السيسي مع انتشار مقاطع مصوّرة مثيرة للسخرية لمجهولين يقدّمون أنفسهم للناس أنهم مرشّحون محتملون لمنافسة الزعيم وإسقاطه، في مشهدٍ يذكّر بتلك الموجة من الفيديوهات التي اندلعت بعد ثورة يناير بقصد ابتذال مفهوم الانتخابات الرئاسية وابتذال مسمّى منصب الرئيس نفسه.
في انتخابات 2018 التي استبقتها مفرمةٌ سياسيةٌ وأمنيةٌ التهمت المرشّح المدني المحتمل، خالد علي، والعسكريين أحمد شفيق وسامي عنان بفريقه الرئاسي كله، كان الكلام القادم من المعارضة التي تسمّي نفسها مدنيةً وديمقراطيةً يدور حول فكرة استثمار أجواء الانتخابات في فتح المجال العام وليس أكثر، فهل حقًا انفتح المجال العام بعدها؟ وهل تمدّدت حدود المعارضة المدنية الديمقراطية حقًا، هل أضيفت مساحاتٌ لحرية الانتقاد والتعبير والاحتجاج؟
إجابة هذا السؤال تجدها في مصائر كلّ من خالد علي وأحمد شفيق وسامي عنان، ومعه كل أعضاء فريقه، كما يمكنك أن تتلمسها في حلقات الدروشة السياسية المسمّاة بالحوار الوطني، ولجنة العفو الرئاسي، التي كرّست منطق المكرمة الرئاسية بديلًا للعدالة.
افتراض أنّ ثمّة بيئة انتخابية حقيقية في ظلّ المعادلات القائمة التي تنفرد من خلالها المؤسّسة العسكرية باحتكار قواعد اللعبة وحدود الملعب وأدوات اللعب، ويكون فيها الإشراف القضائي مشجّعًا متحمّسًا وليس حكمًا محايدًا ونزيهًا، هو نوعٌ من خداع الذات وخداع الجماهير وشحنها بأوهام إمكانية التغيير عن طريق صندوق الانتخابات.
ولا أظنّ أنّ هناك من يجهل حقيقة أنّ النظام الحالي كلّه تأسّس على منطق احتقار الانتخابات وازدراء مخرجاتها ونتائجها، كما طبّق ذلك عمليًا في انقلاب 2013. وبالتالي، لا يعدو صندوق انتخابات الجنرالات كونه ديكورًا يشبه قطعة من جهاز العروسين توضع في مكانٍ بارزٍ يراه الضيوف والزوار لكنها لا تستخدم أبدًا ... هذه القطعة يعرضها أهل العرس في بهرجة احتفالية زاعقة تجد من يحملها ويلف بها في الطرقات وسط أجواء طبل وزمر صاخبة.
في الذاكرة مشهد وقوف حمدين صباحي، الذي لعب دور المنافس المهزوم بسعادة وحبّا في الوطن في مسرحية انتخابات 2014، وهو يتحدّث قبل انتخابات 2018 في مؤتمر ما تطلق على نفسها "القوى المدنية الديمقراطية" مردّدًا: "اللي عاوز يقف مع الشعب المصري والدولة المصرية عليه أن يقف ضد هذه السلطة، لأنها سلطة فساد، واستبداد وغباء واحتكار وتجويع لأغلبية المصريين سلطة تبعية، وبالتالي تغيير هذه السلطة وواجب على كلّ مصري". وتابع "هذه السلطة سلطة منكر ويجب العمل على تغييرها بقلبه بلسانه بيده بكل ما استطاع سلميًا، لأننا بدون الشعب لا حول لنا ولا قوة، ليس لنا سوى الله والشعب، ونحن نثق في الشعب المصري وعلينا أن نخوض كلّ الانتخابات ونجهز لها".
المشكلة إنّ خوض كلّ انتخابات في ظلّ استمرار بيئتها الفاسدة لا يُسفر عن شيءٍ سوى تعلية جدار الخوف والإحباط، والهبوط بسقف الأمل، لدى الجماهير، فيزداد الناس إحباطاً على إحباط، ويتفاقم إحساسهم بالعجز واللاجدوى من محاولة مناوأة السيسي ونظامه، والسعي الجاد والحقيقي لتغييره.
لذلك كله، أفضل ما تفعله ما تُسمّي نفسها معارضة مدنية ديمقراطية أن تترك الساحة خاليةً للجنرال وحده، ينافس نفسه ويكتسح نفسه ويحتفل بانتصاره على نفسه.