هل بات الأسد راغباً في التخلّص من هيمنة طهران؟

هل بات الأسد راغباً في التخلّص من هيمنة طهران؟

25 يناير 2024
+ الخط -

لا يبدو أن علاقات النظام السوري مع إيران تسير بدون مشكلات وتعقيدات في هذه المرحلة، فالخلاف بين الطرفين جرى التعبير عنه في تفاصيل جارية، وترتيبات مستقبلية يزمع نظام الأسد إجراءها، وثمّة مؤشرات عديدة على وجود أطراف ثالثة ربما قدّمت عروضا للأسد شريطة تخفيف ارتباطه بإيران.

أن تخرج أصوات من طهران تطالب باعتقال الجواسيس الذين يقدّمون المعلومات لإسرائيل لاستهداف قيادات الحرس الثوري، فذلك مؤشّر على مستوى عال من الغضب الإيراني على نظام الأسد، بل أكثر من ذلك، اتهام صريح بوجود اختراقٍ لمنظومة الأسد الضيّقة بالعمالة لإسرائيل، بالتذكير بأن الجاسوس الإسرائيلي، إيلي كوهين، كان قد وصل إلى منصبٍ مهمّ في هيكلية الحكومة السورية في ستينيات القرن الماضي.

في الفترة الأخيرة، أقدم نظام الأسد على إجراء تغييراتٍ على مستوى الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى القيام بإجراءات على مستوى الجيش، بدا أن الهدف منها بناء منظومة عسكرية تكون للأسد السيطرة الكاملة عليها، بديلاً عن المنظومة المُخترقة بشكل فاضح من اللاعبين الخارجيين، وخصوصا إيران، ويبدو أن ثمّة طرفاً خارجياً قدّم للأسد وعوداً بتمويل بناء هذه المنظومة، وذلك ما يبدو جليّا من خلال حجم المكافأة التي يتم طرحها للراغبين في التطوّع في هياكل جيش النظام.

من الواضح أن تداعيات حرب غزّة، والاحتمالات التي تنطوي عليها، وخصوصا لجهة احتمال توسّع نطاق الحرب ليشمل دولاً إقليمية، كان لها صدى لدى نظام الأسد، الذي جرى إبلاغه، منذ بداية الحرب، بأن يأخذ جانب الحذر قدر ما يستطيع، كما أشارت تقديراتٌ إلى أن استمرار بقاء الوضع السوري على حاله، أي سيطرة إيران ومليشياتها على الأوضاع، سيرسّخ معادلات أمنية لم تعُد مقبولة إقليميا ودوليا، وبالتالي، للخروج من هذا الوضع يستلزم إرباك خطط إيران وترتيباتها الإقليمية من خلال إزاحة الأسد وتشكيل بديلٍ لنظامه في دمشق.

أعادت القوات الروسية انتشارها على خط الحدود الفاصل بين الجولان ومناطق سيطرة النظام، في محاولةٍ لمنع المليشيات الإيرانية من تشكيل بنية عسكرية في هذه المنطقة

ويدرك الأسد أنه ونتيجة المتغيّرات التي شهدتها المنطقة بات مقيما بين فكّي كمّاشة إيران التي تدير جزءاً من الصراع مع الولايات المتحدة والغرب، من خلال أدواتها في المنطقة، في اليمن والعراق ولبنان، وبين إسرائيل وواشنطن اللتين تبحثان عن كبش فداء تقدّمانه هدية لجمهورهما، حيث يعتبر الأسد أسهل هذه الأهداف، ما دامت الحرب على الحوثي مجرّد رمايات على جبال صنعاء، وللحرب على حزب الله حساباتها المعقدة وتكاليفها الباهظة، فيما إعلان الحرب على فصائل الحشد الشعبي العراقي تعني إعلان واشنطن الحرب في العراق، وهو ما لا تريدُه في هذه المرحلة.

وتفيد الترتيبات الروسية أخيرا بأن موسكو التقطت الفكرة، أو جرى إشراكها بطريقة معيّنة بالمعلومات والسيناريوهات التي يتم إعدادها، أو حتى وضعها أمام خياراتٍ محدّدةٍ لإدارة الجبهة السورية تحت التهديد باتخاذ إجراءات حاسمة غير التي تم اتخاذها على مدار سنوات الحرب السابقة، والتي اقتصرَت على توجيه ضرباتٍ لبعض المراكز أو المنشآت، إذ من الواضح أن تطوّر الضربات الإسرائيلية في سورية يشير إلى تدحرج العمليات إلى ما هو أبعد من قتل بعض القيادات الإيرانية.

وفيما يبدو محاولة لاستباق مثل هذه السيناريوهات، أعادت القوات الروسية انتشارها على خط الحدود الفاصل بين الجولان ومناطق سيطرة النظام، في محاولةٍ لمنع المليشيات الإيرانية من تشكيل بنية عسكرية في هذه المنطقة تحاكي التي أسّسها حزب الله في جنوب لبنان، وهو أمر تعتبره إسرائيل خطّا أحمر، ويبدو أنها قرعت جرس الإنذار الأخير لروسيا، التي أرادت في مرحلة من مراحل الحرب مساومة إسرائيل على موقفها من الحرب الأوكرانية بالضغط عليها من جبهة الجولان.

ما يهم الأسد حماية رأسه الذي أصبح في صلب المساومات الإقليمية

لا تعمل روسيا منفردة في هذا السياق، والأرجح انها تنسّق مع أطرافٍ عربية أخرى لديها قنوات اتصال مع واشنطن، التي لا تريد توسيع الحرب في المنطقة، وقد يكون لتخفيف نظام الأسد علاقاته مع إيران ثمناً سياسياً واقتصادياً معيناً، كما حصل حافظ الأسد على ثمن مشاركته في حرب تحرير الكويت، ويحتاج الأسد الابن في هذه المرحلة إلى فرصةٍ من هذا النوع لإعادة بعث الحياة لنظامه، أقلّه للخروج من ورطة أن يكون ثمناً لطموحات إيران في المنطقة.

بالنسبة للأسد، سيظهر، إذا استطاع التقدّم في مسار تخفيف التأثيرات الإيرانية على نظامه، وكأنه يطبّق المبادرة العربية، التي تطلب منه، بعد إجراء حزم من الترتيبات الداخلية، إنهاء الوجود الإيراني، وبالتالي، سيكون حرق المراحل لتحقيق الانفتاح العربي عليه، الذي هو مقدّمة لانفتاح دولي، وفي الوقت نفسه، تصبح مسألة تقديم تنازلاتٍ داخلية مسألةً قد تجاوزتها الأحداث، وتفصيلاً غير مهم في ظلّ مساهمته في التأثير على مسارات الصراع في المنطقة التي يُراد لها التجهز لخرائط جيوسياسية جديدة تكون إيران خارجها.

ولكن، إلى أي مدىً يستطيع الأسد السير بمسار تفكيك العلاقات مع إيران؟ وما هي المدة التي ستستغرقها إجراءات الأسد لتشكيل واقع خارج عن الهيمنة الإيرانية؟ وهل ستسمح له طهران بالتغريد بعيداً عن نفوذها؟ المؤكّد أن ما يهمّ الأسد حماية رأسه الذي أصبح في صلب المساومات الإقليمية، وبالتالي، ستكون إجراءاته وسياساته في المرحلة المقبلة انعكاسا لشعوره بالتهديد وبحثه عن أفضل طرق الحماية.

5E9985E5-435D-4BA4-BDDE-77DB47580149
غازي دحمان

مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و"العلاقات العربية – الإفريقية".