16 نوفمبر 2024
هل انتهى "داعش"؟
يبدو أن الهجوم في مدينة لييج البلجيكية يوم الثلاثاء الماضي أعاد إحياء فكرة استمرارية "داعش". تنظيم الدولة الإسلامية الذي يُفترض أن يكون "قد بدأ بالاحتضار"، وفقاً لأحدث التقارير العسكرية، في العراق وسورية ولدى قوات التحالف الدولي. ماذا يعني أن يقف أحدهم في بلجيكا ويقتل ضباط شرطة ومدنيين قبل قتله، وهو يتصرّف بوحيٍ من "داعش"؟ لا يعني سوى واحد من اثنين. إما أن التنظيم مستمرّ وبقوة نسبية، في أوروبا، أو أن "ثقافة" التنظيم باتت عقيدة يعتنقها كل من يرغب بارتكاب جريمةٍ غير عقائدية.
في المنطق الأول، باتت استمرارية "داعش" تنظيما، مع انتشار عملاني، محل شكّ، خصوصاً أن انحساره مترافقٌ مع ضعف الهجمات والاعتداءات التي يرتكبها، كما أن عناصره أو المتعاملين معه بدأوا يُحاكمون، خصوصاً في العراق. وعدا الجيوب الصغيرة، يظهر أن التنظيم سقط وغير قادر على القيام بأي مبادرةٍ هجوميةٍ والتمدّد مجدّداً، سوى في حال تصارع أفرقاء الخندق الواحد الذين حاربوه في السنوات الماضية. وهو أمر غير وارد، لحساباتٍ مرتبطةٍ بنيّة هذه القوى تقاسم الحصص السورية.
في المنطق الثاني، بات انتشار "ثقافة داعش" في كل عملية قتل فردية هاجساً يؤرّق الأمن الأوروبي، فمهاجم لييج كان ذا سوابق إجرامية. وكانت القضية لتمرّ خبرا عاديا في الإعلامين، الغربي والعربي، لو لم يتضّح أن القاتل استخدم عبارات دينية، يستخدمها عناصر "داعش"، قبل ارتكابه الجريمة. كما أن التطرّف الصاعد في السجون البلجيكية صنعت منه عنصراً داعشياً، ولو بشكل "غير رسمي"، على اعتبار أن التنظيم لم يتبنّ العملية.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أن التنظيم نجح، إلى حدّ ما، في تكريس وجودٍ عابر للجغرافيا، يمكن استخدامه في أي وقتٍ. كما أن المناطق الصغيرة التي يسيطر عليها حتى الآن تكفيه للانطلاق نحو تأمين ديمومته، سواء عبر المناهج التي ينوي فرضها على ما تبقى من مناطق سيطرته، أو في تحوله إلى واحدٍ من أشكال فرق الموت التي لا تموت بمجرد سقوط جغرافيتها، على غرار منظمة كوكلاكس كلان، الأميركية العنصرية.
بالتالي، لا يُمكن فهم منطق "احتضار التنظيم" سوى حين يتم القضاء على فكرة انتشار "ثقافته" في الأوساط الإجرامية العادية، لأن ذلك سيُبقي الباب مفتوحاً أمام تجدّده بشكل أو بآخر، بما يشبه التناسل المستمر والمتطوّر. وهو أمر فشل فيه تنظيم القاعدة الذي لم يتمكّن من إيجاد إطار مشابه لما فعله "داعش" في الغرب الأوروبي. ومن شأن ذلك أن يؤدّي إلى تطوير "القاعدة" لنفسه، في سياق السباق نحو السيطرة على "الأسواق" الإجرامية بينه وبين "داعش".
لهذا يُمكن فهم القلق الأوروبي من احتمال تحوّل السجون، أو المراكز الإصلاحية والتأهيلية، إلى نقطة تجمّع وانطلاق للتنظيمات المتطرّفة. وهذا الأمر أشبه بكابوس أمني، لأن عليك أن تتعامل مع كل حالة بمفردها، بمعزل عن الحالات الجماعية. كما أن الأمر لم يعد يقتصر على المسلمين أو المتحدرين من أصول إسلامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وصولاً إلى باكستان، بل يتعدّى ذلك إلى عناصر إجرامية أوروبية، بما يتجاوز الإطار التمييزي الذي يعامل به الأمن الأوروبي الأشخاص القادمين من الشرق.
لم يكن هجوم لييج مجرد هفوة أمنية أو اعتداء استثنائي، بل حالة مرشحة للتفاعل والتطور، في حال لم يتمكّن الأوروبيون من معالجة ذلك بصورة طارئة، ومغايرة عن التعامل السابق. السجون باتت مرتعاً للأفكار غير الإصلاحية، وهي أزمةٌ في بلدانٍ تعتبر نفسها تقدّم نموذجاً في إصلاح الفرد وإعادة دمجه في المجتمع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. بالنسبة إلى بلجيكا، ما بدأ في لييج قد يتمدّد في غيرها، وصولاً إلى فرنسا وإيطاليا. وحتى ذلك الحين، يبدو أن "داعش" لم ينتهِ عملياً، بل يضرب ويتمدّد بانتظار ردّ فعلٍ غربي.
في المنطق الأول، باتت استمرارية "داعش" تنظيما، مع انتشار عملاني، محل شكّ، خصوصاً أن انحساره مترافقٌ مع ضعف الهجمات والاعتداءات التي يرتكبها، كما أن عناصره أو المتعاملين معه بدأوا يُحاكمون، خصوصاً في العراق. وعدا الجيوب الصغيرة، يظهر أن التنظيم سقط وغير قادر على القيام بأي مبادرةٍ هجوميةٍ والتمدّد مجدّداً، سوى في حال تصارع أفرقاء الخندق الواحد الذين حاربوه في السنوات الماضية. وهو أمر غير وارد، لحساباتٍ مرتبطةٍ بنيّة هذه القوى تقاسم الحصص السورية.
في المنطق الثاني، بات انتشار "ثقافة داعش" في كل عملية قتل فردية هاجساً يؤرّق الأمن الأوروبي، فمهاجم لييج كان ذا سوابق إجرامية. وكانت القضية لتمرّ خبرا عاديا في الإعلامين، الغربي والعربي، لو لم يتضّح أن القاتل استخدم عبارات دينية، يستخدمها عناصر "داعش"، قبل ارتكابه الجريمة. كما أن التطرّف الصاعد في السجون البلجيكية صنعت منه عنصراً داعشياً، ولو بشكل "غير رسمي"، على اعتبار أن التنظيم لم يتبنّ العملية.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أن التنظيم نجح، إلى حدّ ما، في تكريس وجودٍ عابر للجغرافيا، يمكن استخدامه في أي وقتٍ. كما أن المناطق الصغيرة التي يسيطر عليها حتى الآن تكفيه للانطلاق نحو تأمين ديمومته، سواء عبر المناهج التي ينوي فرضها على ما تبقى من مناطق سيطرته، أو في تحوله إلى واحدٍ من أشكال فرق الموت التي لا تموت بمجرد سقوط جغرافيتها، على غرار منظمة كوكلاكس كلان، الأميركية العنصرية.
بالتالي، لا يُمكن فهم منطق "احتضار التنظيم" سوى حين يتم القضاء على فكرة انتشار "ثقافته" في الأوساط الإجرامية العادية، لأن ذلك سيُبقي الباب مفتوحاً أمام تجدّده بشكل أو بآخر، بما يشبه التناسل المستمر والمتطوّر. وهو أمر فشل فيه تنظيم القاعدة الذي لم يتمكّن من إيجاد إطار مشابه لما فعله "داعش" في الغرب الأوروبي. ومن شأن ذلك أن يؤدّي إلى تطوير "القاعدة" لنفسه، في سياق السباق نحو السيطرة على "الأسواق" الإجرامية بينه وبين "داعش".
لهذا يُمكن فهم القلق الأوروبي من احتمال تحوّل السجون، أو المراكز الإصلاحية والتأهيلية، إلى نقطة تجمّع وانطلاق للتنظيمات المتطرّفة. وهذا الأمر أشبه بكابوس أمني، لأن عليك أن تتعامل مع كل حالة بمفردها، بمعزل عن الحالات الجماعية. كما أن الأمر لم يعد يقتصر على المسلمين أو المتحدرين من أصول إسلامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وصولاً إلى باكستان، بل يتعدّى ذلك إلى عناصر إجرامية أوروبية، بما يتجاوز الإطار التمييزي الذي يعامل به الأمن الأوروبي الأشخاص القادمين من الشرق.
لم يكن هجوم لييج مجرد هفوة أمنية أو اعتداء استثنائي، بل حالة مرشحة للتفاعل والتطور، في حال لم يتمكّن الأوروبيون من معالجة ذلك بصورة طارئة، ومغايرة عن التعامل السابق. السجون باتت مرتعاً للأفكار غير الإصلاحية، وهي أزمةٌ في بلدانٍ تعتبر نفسها تقدّم نموذجاً في إصلاح الفرد وإعادة دمجه في المجتمع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. بالنسبة إلى بلجيكا، ما بدأ في لييج قد يتمدّد في غيرها، وصولاً إلى فرنسا وإيطاليا. وحتى ذلك الحين، يبدو أن "داعش" لم ينتهِ عملياً، بل يضرب ويتمدّد بانتظار ردّ فعلٍ غربي.