هل المجموعة السياسية الأوروبية مشروع للتكامل؟

هل المجموعة السياسية الأوروبية مشروع للتكامل؟

18 أكتوبر 2022

الصورة التذكارية للمشاركين في قمة براغ للمجموعة السياسية الأوروبية (7/10/2022/Getty)

+ الخط -

أثار اجتماع 44 دولة أوروبية في براغ، ضمن أعمال القمة الأولى للمجموعة السياسية الأوروبية، تساؤلات كثيرة بشأن دور هذه المجموعة الجديدة واستدامتها، وإذا ما كانت ستشكّل هيكلا جديدا للتكامل الأوروبي، أم أنها ستكون مجرّد حدث هامشي ينضم إلى اللائحة الطويلة للمشاريع قصيرة الأمد في القارّة الأوروبية؟

لا يمكن أن تستقيم الإجابة عن هذا التساؤل من دون الوقوف على ثلاث حقائق رئيسية: الأولى، استشعار الدول الأوروبية خطورة الأوضاع الأمنية والاقتصادية الناتجة من ضعف البنية الأمنية والدفاعية التي كشفها الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي سلّط الضوء على حاجة الدول الأوروبية إلى التعاون أكثر في مجالات أمنية واقتصادية عديدة، الأمر الذي دفع دولا أوروبية للبحث عن ديناميكية جديدة للتنسيق ضد هذه المخاطر، فكان اقتراح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في مايو/ أيار الفائت، بإنشاء مجموعة سياسية أوروبية جديدة تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي لأوروبا في سياق الغزو الروسي أوكرانيا، وهذا ما كشفته السرعة التي جرى فيها تنظيم اجتماع المجموعة السياسية الأوروبية، والثانية تهدئة الدول الأوروبية التي تقف في صفّ انتظار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بعد أن تزايدت الضغوط بتقديم أوكرانيا ومولدوفيا وجورجيا طلبات سريعة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بعد بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية في فبراير/ شباط الفائت. وتتعلق الثالثة بالعدد الكبير لأعضاء هذه المجموعة وبالخلافات التقليدية الكامنة والمسارات المختلفة بين بلدان هذه المجموعة التي تتعارض تطلعاتها وأهدافها حيال الاتحاد الأوروبي، على غرار بريطانيا التي خرجت من الاتحاد الأوروبي، وكذلك سويسرا والنرويج وأوكرانيا ومولدوفيا وتركيا، التي لديها مسارات متباينة حيال مشروع التكامل الأوروبي.

المجموعة الجديدة لا تحلّ محلّ أي منظمة أو هيكل أو عملية قائمة، ولا تهدف إلى إنشاء مؤسسات جديدة في هذه المرحلة

في إطار هذه الحقائق، يمكن الحديث عن سيناريوهين، لن يخرج مستقبل المجموعة الجديدة عنهما. الأول، تحوّل المجموعة السياسية الأوروبية إلى هيكل جديد يتولى التنسيق بين الدول الأوروبية في مجالات الأمن والطاقة والاقتصاد، وقد يقود مستقبلاً إلى التكامل الأوروبي، وما يغذّي هذا السيناريو نجاح القمة الأولى للمجموعة في جمع كل دول القارّة (باستثناء روسيا وبيلاروسيا) في محفل واحد، على الرغم من التباينات والنزاعات بين عدد من أعضائها، فاجتماع 44 دولة أوروبية في صيغة غير مسبوقة يُشكّل مقدمة مهمّة يمكن أن تكون بمثابة استجابة مناسبة للتحدّيات الجيوسياسية للقرن الحادي والعشرين. ويمكن أن يكون لها دور واضح في معالجة بعض أوجه القصور الداخلية في علاقة الاتحاد الأوروبي ببقية دول القارّة، ويمكن أن يكون لها دور مهم مع مرور الوقت، لتكون بمثابة جسر إلى اتحاد أوروبي أكبر، وإطار عمل لمزيد من التكامل القارّي الدائم، وهذا ما كشفته القمة الأولى التي وفرت الفرصة لمجموعة من اللقاءات الرئيسية بين رؤساء بعض الدول من أجل تبريد النزاعات داخل القارّة، ومنها القمة الرباعية التي جمعت الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، بحضور الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الاتحاد الأوروبي، وكذلك اللقاء الذي جمع الرئيس التركي أردوغان مع الرئيس الأرميني، أرمين سركيسيان، لأول مرة.

لا تزال المجموعة السياسية الأوروبية تفتقر إلى مهمة محدّدة بوضوح

السيناريو الثاني، تحوّل المجموعة إلى مجرّد حدث هامشي، يقتصر على الاجتماع والصورة الفوتوغرافية النهائية، كنتيجة لفشل المجموعة في وضع تعريفٍ محدّد للمجموعة وتحديد الأهداف بوضوح، وما يغذّي هذا السيناريو أمور عديدة ما تزال غير واضحة بشأن ما تمثله هذه المجموعة الجديدة بالفعل، وما يمكن أن تحقّقه، على الرغم من انقضاء القمة الأولى، فالمجموعة الجديدة لا تزال لا تمتلك تعريفاً واضحاً، ولا تزال تفتقر إلى مهمّة وأهداف محدّدة وجدول زمني طويل الأجل، كذلك لا تزال تواجه مجموعة من العقبات، أهمها الاختلاف بين بعض دول المجموعة في كيفية التعاطي مع الملف الروسي الذي يشكّل السبب الرئيس الذي سرّع بالتئام المجموعة، إلى جانب الخلافات والمسارات المتباينة لأعضاء المجموعة، فيما يتعلق بالمسار الأوروبي ككل، وكذلك غياب الميزانية والهيكل الإداري المسؤول عن تنظيم الاجتماعات، وغيرها من أمور إدارية أخرى. وبالتالي، لا تزال هوية المجموعة الجديدة غامضة، فهي ليست بديلا لمجموعة العشرين أو مجموعة السبع، ولا لحلف شمال الأطلسي، ولا هي غرفة انتظار للدول الراغبة بالانضمام للاتحاد الأوروبي، ولا هي بديل لمؤسّسات الاتحاد. وهذا ما أكد المجلس الأوروبي على موقعه الرسمي بقوله إنّ المجموعة الجديدة لا تحلّ محلّ أي منظمة أو هيكل أو عملية قائمة، ولا تهدف إلى إنشاء مؤسسات جديدة في هذه المرحلة، خلافاً لحديث مراقبين عن محاولة تدشين هيكل جديد في القارّة الأوروبية في ظلّ التوتر الراهن مع روسيا.

في حصيلة ما سبق، لا تزال المجموعة السياسية الأوروبية تفتقر إلى مهمة محدّدة بوضوح، وإذا ما أراد القادة الأوروبيون تحويل هذه المجموعة إلى تكتل إقليمي فاعل يعمل على إعادة تشكيل علاقات الاتحاد الأوروبي مع جيرانه في القارّة، والاستجابة للتحديات الجيوسياسية، عليهم بداية وضع تعريف محدّد للمجموعة، وتحديد أهداف طموحة، ووضع جدول زمني طويل الأجل، مع استخدام القمة المقبلة في مولدوفيا لبناء منصّة تجمع بين الحوار السياسي وصنع السياسات، وخلاف ذلك قد تصبح المجموعة مجرّد حدثٍ هامشيٍّ ينتهي بأخذ الصورة التذكارية.