هكذا اصطادني فيروس كورونا

16 فبراير 2022
+ الخط -

تعرفون جيداً هذا الموقف؛ عندما يُطرق باب بيتك على غير موعد، فتفتحه مستغرباً، وتطلّ عليك عدة رؤوس ضاحكة، لا تمنحك فرصةً لكي تشعر بالمفاجأة من الأساس، لكنّها تصبح في عمق البيت بسرعة، ويقول لك أصحابها إنّهم كانوا يمرّون من أمام البناية التي تقطن فيها، فاقترحوا على بعضهم أن يصعدوا حيث شقتك، ليلقوا عليك التحية، والتحية لن تقلّ عن زيارة ساعة أو ساعتين، وتعرف أيضاً أنّك غير مستعدّ تماماً للزيارات المفاجئة، خصوصاً مع تدابيرك الوقائية من فيروس كورونا، كذلك فإنّك قد أنهيت تنظيف الشرفة المفتوحة من آثار الرياح العاصفة في الخارج، وتشعر بأنّك قد أصبحت أشعث أغبر، لكنّك هكذا صرت أمامهم أو بينهم وهم يسعلون ويعطسون ويتحدّثون ويتطاير الرذاذ ويتساقط المخاط في كلّ مكان، حتى تشعر بأنّ الغرفة قد أصبحت سفينة غارقة.

لمزيد من الدقة، كُنّ مجموعة من النسوة لم أرهنّ منذ زمن، واللواتي يرين في زيارة مفاجئة وسيلة لتزجية الوقت. وبالفعل، تحدّثن طويلاً حتى كدت أقتنع بآرائهنّ في أنّ فيروس كورونا كذبة يروّجها العالم لكي يقطع رزق الغلابة، وأنّ من يخاف من العفريت يظهر له، وعلى الإنسان ألّا يستسلم لفكرة المرض، وأن يمارس حياته الطبيعة، مهما شعر بأعراض مماثلة للتي تحذّر منها الجهات الصحية. وأكدن أنّهن لو أُصبن بما يلفظنه "فيروس كورنا" لا يملكن المال لشراء الأدوية والفيتامينات، وحتى الأطعمة التي تقوّي المناعة، وهذا السبب المؤكد والأساسي لديهن لرفض فكرة وجود هذا الفيروس. وهكذا مارسن الحديث والثرثرة معي وحولي، لكنّي كنت واثقة من أنّهن مصاباتٌ بحكم قرب بعضهن من بعض، ونوبات العطس والسعال المتناثرة، كذلك فإنّهن متفقاتٌ على كلّ ما أوردنه من آراء عن الفيروس.

بعد خمسة أيام من زيارتهن، ظهرت عليّ أعراض الإصابة من منطلق حكمتهن الأكيدة "اللّي بيخاف من العفريت بيظهر له". وهكذا استيقظت بألم شديد في حلقي، وكان عليّ أن أقصد أقرب مركز صحي لإجراء فحص سريع. وفي سيارة الأجرة التي توقفت أمام البناية، وحين كنت أجلس خلف السائق، وأطلب منه في وهنٍ أن يوصلني إلى أقرب مركز صحي مخصّص لفحوص فيروس كورونا، وبمجرّد أن سمع السائق بوجهتي أحكم سريعاً القبعة حول رأسه، وقد كانت تتدلّى خلف رقبته. ولم يكن، بالطبع، يتّبع أي وسيلة حماية، على عكسي تماماً، فعندما كنت أجلس على المقعد الخشبي البارد في قاعة المستوصف، أنتظر دوري لأدخل غرفة الفحص، استعرضت كلّ الإجراءات الوقائية التي اتبعتها بدقة وبشدة منذ إعلان ظهور جائحة كورونا في العالم، وبدأت أحصي ما أنفقت من مال لشراء المعقمات والمطهرات وأدوات الحماية الشخصية. أما مطبخي، فقد تحوّل إلى محل عطارة، بسبب الأعشاب التي أواظب على شرب منقوعها يومياً. وفي كلّ يوم، أضيف إليها عشبة جديدة لمجرّد أنّني سمعت عن فوائدها في تقوية المناعة، وتنهدت في قلق وأنا أحسب أنّني أصبت مثل ناسٍ كثيرين بفوبيا المرض، خصوصاً أنّني من الشخصيات" القلقة" التي تخاف من كلّ شيء، وتضخّم كل شيء، وترى في أصغر الأمور أسوأها، وتكون بعض الأمور بالنسبة إليها كارثية.

في طريق عودتي، استرسلت في أفكاري وتنهدت، وقد كنت في اليوم السابق أتابع مقاطع الفيديو عبر قنوات "يوتيوب" للتعرّف إلى طرق الوقاية من الفيروس وأعراض الإصابة به، لكنّي الآن أجوب هذه القنوات بحثاً عن طرق التعافي من الإصابة بمتحور كورونا "أوميكرون". وقد أعلن الطبيب إصابتي، ولم أستوعب بعدُ كيف اصطادني هذا الفيروس، وأمسكت بهاتفي رغم الألم، وهاتفت إحدى ضيفاتي الأخيرات، فجاءني صوتها ضاحكاً بلا سعال أو عطاس. لم يكن أمامي سوى أن أغبطها على نمط حياتها، فيما يحوّل الأولاد البيت من حولي إلى غرفة عمليات مصغرة للعناية بي.

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.