هذه السماجة عن الأوكرانيات

02 مارس 2022

أوكرانيتان يعبرن الحدود البولندية عند معبر ميديكا الحدودي (28/2/2022/Getty)

+ الخط -

لا يمكن لوم المواطن الذي يمضي معظم وقته صائلا جائلا، من خلال أصابعه وعينيه، بين قنوات ومواقع السوشيال ميديا، لا يمكن أن نلقي عليه إلا بقليل من اللوم حين يتخيّل نساء أوكرانيا الجميلات، وقد أصبحن لاجئات في بلاده، والوصول إليهن بالزواج غير المكلف سيكون سهلا، فاللائمة أولا على مواقع إعلامية ومثقفين وفنانين خرجوا بالفكرة (المقترح) نفسها، ما يُشعرك بأنك قد عدت إلى قرون مضت، حين كان سبي النساء في الحروب، وما يتعرّضن له من ذل ومهانة جرّاء ذلك، وبأنهن يصبحن جواري في القصور، بعد أن كن سيدات في أقوامهن.

منذ بدأت مناوشات الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ما عليك إلا أن تكتب كلمة "أوكرانيات" في محرّكات البحث على مواقع التواصل الاجتماعي، لتُصدم من كمية النتائج أمام عينيك للنكات والتعليقات الذكورية المنحطّة المكرّرة والمبتذلة، والتي لم تنضح إلا بما تفيض به الآنية.

والغريب أن هذه النكات والتعليقات التي تصدمك قد خرجت أيضا من جيل الشباب الذي لم يتزوج بعد، ما قد يكشف لك عن النظرة المترسّبة داخل هذا الجيل. ولست تلقي باللائمة على الجيل الذي سبقه، ومنه من يحتفظ في بيته بامرأة مغلوبة على أمرها تهالك جسدها وخارت صحتها، بسبب حرصها على إرضاء ذلك الزوج الذي يجد في آلام الأخريات فرصةً لكي يجدد حياته. ولذلك أنت تشعر بالخوف والذعر من طريقة تفكير الجيل الشاب المتوارثة، والتي ترى أن مآسي العالم قد تكون حلا لمآسيه المتمثلة في البطالة وضيق أفق المستقبل وتقدم العمر من دون زواج، علما أن هذه المشكلات التي يعاني منها الجيل الجديد لا يمكن أن تحلّ بضغطة زر سحرية، اسمها الزواج من فتاة أوكرانية؟

كما أسلفت، الأمر الذي يدعوك إلى الشعور بالاشمئزاز أكثر أن يكون تصرّف مثل هذا الشباب الطائش والرجل القابع في بيته بقطعة ملابسه الداخلية التي تدلّ على عدم رضاه دوما، يطابق هذا التصرّف كثيرا ما قامت به وسائل إعلام عربية، المفترض أن تكون واجهة ومنصّة لصوت المواطن العربي، ولكنها خرجت بعناوين بارزة تدعو الشباب إلى عدم التسرّع في التفكير بالزواج من فتياتٍ عربياتٍ يحتجن لمهر وتكاليف أخرى، فالأوكرانيات قادمات بجمالهن وبخس "أثمانهن". وعلي أن أشعر بالأسف لكلمة الأثمان التي تكرّس فعلا لغة السبي التي لم يعفُ عليها الزمن، كما اعتقدنا وتخيلنا.

مؤسفة جدا نظرة الشباب أكثر من نظرة الرجال الذين ملّوا حياتهم الزوجية الروتينية حسب ادّعاءاتهم، ومؤسفة أكثر من نظرة وسائل الإعلام التي لم يعد يهمها في ظل هذا الانحطاط سوى الركض واللهاث خلف "التريند"، فأنت يجب أن تتساءل ألف مرّة عن تداعيات (ونتائج) نظرة هذا الجيل الواعد إلى النساء عموما، والنساء في أماكن النزاعات على أنهن جَوار. وتراهم من خلال انتظار وصول اللاجئات يرسخون قناعاتهم بجرائم الاتجار بالبشر واستغلال النساء في وقت الأزمات، في الوقت الذي تناضل فيه النساء والفتيات الأوكرانيات لمواجهة تداعيات الحرب التي تنعكس على كل ما حولهن، مثلما يحدُث لأي امرأة في العالم من تهجير وتشتت العائلة وتردّي الوضع المعيشي.

كما قلت، علينا أن نشعر بالخوف والذعر من طريقة تفكير كل من يرى في الحرب، التي لا تعني سوى الدمار وتدمير الأحلام والقتل وإراقة الدماء ومزيد من الأرامل والأيتام، وسيلة وطريقة لإرضاء نزواته وحل مشاكلاته، وربما كان ذلك الفعل والتوجه السيئ من باب توهم هؤلاء أن ذكوريتهم تكفي لشعورهم الوهمي بتفوقٍ ما على النساء الأوكرانيات والعربيات، وبأن النساء ضعيفات، وضحايا فعل الكبار دائما، وإن دافعوا عن أنفسهم بأنهم قد خرجوا بتلك النكات والتعليقات على سبيل الدعابات السمجة. ولكن الحقيقة أن ما نضحت به الآنية المكافأة أثبتت أن رجالا كثيرين، العرب خصوصا، لا يتخلون عن فكرتهم أنهم يمتلكون نوعا من الاستحقاق على أجساد النساء المستضعفات في كل مكان.

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.