هؤلاء والمرأة .. أين وصلنا؟
انسحبت إحدى المرشّحات لانتخابات البلديات ومجالس المحافظات في الأردن من جلسة حوارية بين مرشّحين ومرشحات، على هامش حملات هذه الانتخابات المقرّر أن تشهدها البلاد منتصف مارس/ آذار الجاري. خرجت من القاعة، رفضاً منها للتهميش الذي مورس تجاهها وعدم منحها الفرصة للحديث كباقي المرشّحين فقط لأنها امرأة. ولكن الجلسة استمرّت في غياب المرشّحة المنسحبة احتجاجاً، واستكمل المشاركون حوارهم، على الرغم من تضامن السيدات الحضور وانسحابهن من القاعة، رافضات التصرّف المهين الذي تعرضت له زميلتهن، وهو بطريقة أو بأخرى يمسّهن جميعاً.
يحدُث هذا بعد مطالبات ملكية بضرورة تساوي الأردنيات مع الأردنيين، وجرت الاستجابة لها بنص دستوري، على الرغم من الرفض واللغط وصُدِّق عليه، وهو ما يذكّرنا بأن الطريق أمام العدالة والمساواة، بل والتقبل، ما زال طويلاً. وها نحن في شهر مارس/ آذار، والثامن منه هو يوم المرأة العالمي، الذي يحتفل به العالم من كل عام، ويحتفل الأردن بنماذج نسائية مميزة بالفعل. ولكن من المقلق أن نماذج يجري إبرازها والاحتفاء بها تُضعف المطالبات الحقوقية للمساواة والعدالة بين الجنسين، وتقبل بل وتدافع عن وجهة نظر ذكورية في ما يخص هذه القضايا.
الطريق أمام العدالة والمساواة بين الرجال والنساء، بل والتقبل لهما، ما يزال طويلاً
ليست تلك الحادثة الأولى، ولا أظنّها ستكون الأخيرة. تختلف بالتفاصيل وتتشابه بالقناعات الراسخة بالوصاية على النساء، ولا مجال للجدال بشأنها، لتثبت لنا حادثةٌ تلو الأخرى نشهدها أحياناً بأنفسنا أو نقرأها ونسمعها على مواقع التواصل الإجتماعي أن المجتمع انتقل من مرحلة التقييد والتمييز إلى مرحلة الرفض والإقصاء المتعمد لأي جهدٍ لتمكين النساء وتوسيع مساحة مشاركتهن في الفضاء العام.
تعالت، قبل أسابيع، أصوات الاحتجاج بين الحضور، عندما طلب نائب أردني بغضب من متحدثة في مؤتمر عن المرأة الصمت، وعدم استكمال ما تقوله عن المطالبة باعتماد الحكومة ما يعرف ببدل المسؤولية الرعائية للنساء، بل خيّر المحتجات بين الرضا بأسلوب إدارته أو الخروج من القاعة، وقال: "ما المطلوب مني، أن أوافق على "سيداو" حتى تحترمن رأيي؟". منع السيدة من الحديث، متناسياً أنه يدير جلسة لمؤسسة مجتمع مدني، لبحث واقع النساء والتحدّيات التي يواجهنها في المجتمع. وتحدث بصوت رئيس جلسة نيابية، تعيدنا إلى مشاهد يطالب الرجال النواب السيدات بالصمت، وعدم إبداء الرأي تحت قبة البرلمان، المؤسسة التشريعة التي يجب أن تتعامل مع الأردنيين على قدم المساواة، متساوين في الحقوق والواجبات كما ينص الدستور.
ثمّة تخوّف في الأردن من منح المرأة مزيداً من الحقوق والحريات
"سيداو" اختصار لـ"اتفاقية إنهاء أشكال التمييز ضد المرأة"، وقد رفعت الحكومة الأردنية التحفظات عليها نهاية 2016، بعد أن اتهمها مؤيدو الاتفاقية بالمماطلة، على الرغم من مطالبات معارضيها من الحكومة ذاتها بضمان المحافظة على النسيج المجتمعي الذي تهدّده الاتفاقية حسب رأيهم. قامت الحكومة بواجبها، وسحبت التحفظ، ولكن المجتمع ما زال في المربع الأول، بل تراجع إلى زاوية أضيق، في ما يتعلق بإعطاء النساء المساحة العادلة التي تستحقها، في مجتمعٍ يدّعي أنه يحافظ على المرأة، في حين أنه يقتلها لمجرّد الشك، ويعنّفها لمجرد الاختلاف. ما سحبته الحكومة تحفّظان يتعلقان بمنح المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل في ما يتعلق بجنسية أطفالهما، والحقوق نفسها في ما يتعلق بالقانون المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيارهم محل سكناهم وإقامتهم.
وإذا كان التحفّظ الأول يعود إلى أسباب سياسة لها علاقة بالتوازن السكاني الديمغرافي، وخصوصاً بين المكونين الأساسيين للمجتمع الأردني (الأردني والفلسطيني)، فإن التحفظ الثاني يقترب أكثر من أسباب اجتماعية، وتخوّف من منح المرأة مزيداً من الحقوق والحريات، وهي قصة أصبحت بالنسبة إلى رافضين كثيرين ثأرية، وتستوجب التحرّك، ومنع كل السيدات والأفراد من الانصياع لجهات خارجية، تعمل، في قناعتهم، على هدم المجتمع الأردني وتهديد أمنه وسلامته. وتكشف هذه القناعة لدى هؤلاء ردّة اجتماعية في المجتمع، ضحيتها شابات أردنيات متعلمات في مستويات أكاديمية عالية، تميزن في دراستهن وعملهن، وأصبحن مسؤولات عن إعالة أسر ورعايتها، أمهات كنّ أو عازبات (لا فرق). يشجع المجتمع عملهن، بل يفضل كسبهن الرزق، والقيام بواجبهن المالي تجاه عائلاتهن، ولكن الواحدة منهن تُعامل كأنها قاصر، حتى لو كانت في العقد الخامس من العمر: رأيها غير حكيم لا يؤخذ به، وحريتها محل تحفظ.