نظّارة الرئيس

25 أكتوبر 2022

(لي أوفان)

+ الخط -

"وأنا في إعدادي دخلت الثانوية الجوية عشان بلادي".. هكذا ختم الرئيس عبد الفتاح السيسي خطابه في المؤتمر الاقتصادي مصر 2022، أول أمس الأحد. تضحيات الرئيس تبدأ من المرحلة الإعدادية، بعد هزيمة 1967، ورصده ما يحدث في مصر يبدأ من مرحلة عقيد في الجيش، كما يقول. يُخبرنا الرئيس أن المسلسلات المصرية مخطئة حين تنتقد الدولة، فتحوّلها إلى خصم، فيتظاهر الناس ضدّها، والآباء في البيوت مخطئون حين يربون أولادهم على أن العجز في الإنفاق مسؤولية الدولة، فيتظاهر الأبناء ضدها، وثوار يناير مخطئون لأنهم سمحوا للإسلام السياسي أن يصل إلى الحكم، والإسلام السياسي مخطئ، لأنه فشل ولم يعترف بفشله، والمثقفون مخطئون، والمفكّرون مخطئون، والبرلمانيون مخطئون، (إلا إذا تحولوا إلى وزراء مثل وزيرة التجارة والصناعة)، وأخيرا من يحملون راية الدين الذين تمنّى الرئيس أن يكونوا صادقين، (مثله)، ومخلصين، (مثله)، وأمناء، (مثله)، وشرفاء، (مثله).. "قسما بالله لم أتحدّث كذبا قط.. في أي حاجة"، هكذا يتحدّث الرئيس عن نفسه، هكذا يُقسم، وهكذا "يضرب" المثل والقدوة (وأي حاجة).
قد تكون نظّارة الرئيس جديدة، لكن نظرته إلى نفسه وخصومه كما هي، لم تتغير، الرئيس دائما على صواب والآخرون دائما مخطئون. الجديد، هذه المرّة، هو تصريحات الرئيس، ربما لأول مرة، عن طريقة معاملته رجاله ونظرته إليهم، فهم، أيضا، مخطئون، (لا أحد فوق الخطأ سوى الرئيس)، كما أنهم، رغم حبّهم بلدهم، لم يضحّوا مثل الرئيس، ولم يتحمّلوا مثل الرئيس، ولم يواجهوا مثل الرئيس، ولم يكونوا في شجاعة قرارات الرئيس، ولم يجمعوا بين شجاعة القرار وفضيلة القرار. يطلب الرئيس من وزير الخارجية تخفيض المرتبات، فينزعج الوزير، ويسأل: فيه إيه يا فندم.. خير؟ يضحك الرئيس وهو يخبرنا بذلك، ويضيف أنه لم يكن هناك أزمة وقتها، لكنها الحوكمة (حوكمة الرئيس). يجتمع الرئيس برجاله في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، ويطرح عليهم تعويم الجنيه وتغيير سعر الصرف، يرفض الجميع، هكذا يخبرنا الرئيس بنفسه، كلهم رفضوا: "كل المعنيين من الأجهزة الأمنية والدولة تقريبا.. كل اللي كانوا قاعدين .. كله .. يُعدد الرئيس: مدير المكتب.. الاقتصاد.. المالية.. الرقابة الإدارية.. الداخلية.. الدفاع"، (وأنا وأنت)، ومع ذلك نفذ الرئيس ما أراد، ولم يفته أن يخبرهم بأن الموضوع "مش عافية".
الرئيس هو من يقرّر كل شيء. ومع ذلك هو غير مسؤول عن أي شيء، إنما تقع المسؤولية على الجميع.. الشعب، الذي يشكل هاجسا لدى صناع القرار، مظاهرات 2011، مظاهرات 2013، مظاهرات حدثت في بلد آخر، لن يسمّيه الرئيس، لكنه انهار واختفت ودائعه الدولارية من البنوك بسبب المظاهرات وتصفيق المواطنين في الشوارع (وليس النهب والسرقة والفساد والطائفية). استمرار الدولة المصرية نفسها ليس مسؤولية الرئيس، (منقذ الدولة المصرية)، إنما هو "قرار إلهي"، أما الرئيس فهو المسؤول عن الإنجازات.. ما بناه "لأن ربنا رزقه"، وما ســـيبنيه "لو ربنا ادّاله". والسؤال: هل يمكن نجاح الحوار الوطني المرتقب في وجود عبد الفتاح السيسي؟ هل يمكن نجاح أي شيء يكون السيسي طرفا فيه، سيما إذا كان الطرف المهيمن والمسيطر وصاحب القرار "النافذ" و"الوحيد"، ولو عارضه "كل" رجاله، كما يقول بنفسه؟ هل يمكن الوثوق في وعود رئيس يَعِد، في 2014، بتحسين أحوال المواطن بعد سنتين، ويعد في 2016 بأنه لا يحتاج أكثر من ستة أشهر للوفاء بوعده، ويعد في 2017 بأنه يحتاج إلى عام واحد فقط، ويعد في 2018 بدولة أخرى في 2020  ثم يخبرنا في 2022 بأنه لم يعدنا بشيء؟
ليس لدى مصر أي شيء، ولذلك هي تحتاج إلى كل شيء، إلى الحوارات والمؤتمرات والمبادرات والتفكير خارج الصندوق وخارج السجن والإخفاءات القسرية وقوائم الإرهاب وترقّب الوصول وتشويه السمعة والاتهامات بالخيانة، تحتاج الحرية والعدل و"العقل" والإدارة الرشيدة، تحتاج إلى خبرات أبنائها، ونخبها، ومثقفيها، ومفكريها، وعلمائها، وسجنائها، ومطاريدها، فهل حكم السيسي سبيل ذلك كله أم عائقه، طريق إليه أم عبءٌ عليه، ضمانته أم خذلانه؟