نتنياهو تشرشل أم تشامبرلين؟
معروفٌ أن بنيامين نتنياهو من أشد المعجبين برئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل. وفي ظهوره أمام الكونغرس الأميركي يوم 24 الشهر الماضي (يوليو/ تموز)، شبّه نفسه بمن يعتبره الغرب بطل الحرب العالمية الثانية بعدما صمد وحده في وجه ألمانيا النازيّة حتى النصر. وفي الفقرة الختامية من خطابه، قال نتنياهو: "خلال الحرب العالمية الثانية قال تشرشل للولايات المتحدة: أعطونا الأدوات، وسوف نقوم بالمهمة. وأنا أقول: أعطونا الأدوات وسننهي المهمة بشكل أسرع بكثير".(أفتح هنا قوسًا لأضيف أن البيت الأبيض لم يمضِ وقت كثير حتى أحرج نتنياهو وكذّبه وفنّد مزاعمه، حيث قالت سكرتيرة إدارة جو بايدن للإعلام كارين جين بيير إن الإدارة الأميركية لم تحجب أي أسلحة عن إسرائيل سوى مرّة، وإن باقي دفعات السلاح مستمرّة في التدفق. وأضافت بتهكم: "حقاً لا ندري عمَّ يتحدث نتنياهو"!).
وبالعودة إلى ما لمّح إليه نتنياهو وتوقف عنده كثيرون من كُتّاب سيرته والمحللين السياسيين في إسرائيل، لشغف التشبّه الذي يحرص عليه نتنياهو أسباب كثيرة، أبرزها أنه يرغب بأن يتم تذكّره بصفته نبي الغضب الذي حذّر من اتفاقيات أوسلو، ومن الاتفاق النووي الإيراني، ووقف وحده أمام المؤسّسة الإسرائيلية وحكام الغرب الذين برأيه تملقوا ياسر عرفات وعلي خامنئي، مثلما حذّر تشرشل في ثلاثينيات القرن الفائت من الخطر المتجسّد في أدولف هتلر أمام المؤسّسة البريطانية التي فضّلت التصالح مع ألمانيا.
وهناك من يشير إلى نقاط تشابه أخرى بين نتنياهو وتشرشل، على غرار الخلفية الأميركية، وتدخين السيجار، والقدرة على الخطابة وصوغ الشعارات، والعيش على حساب أصحاب الملايين، وتركيز القوة السياسية. ووفقًا لما كتبه رئيس تحرير صحيفة هآرتس قبل ستة أعوام، فإن نتنياهو في ما يتعلّق بتركيز القوة السياسية بيديه نسخة تكاد تكون طبق الأصل عن تشرشل، الذي كتب في وصفه رئيس الوزراء الأسترالي روبرت منزيس، إثر زيارته إلى لندن في أثناء الحرب: "الكابينيت مقيت ومؤلف من رجال بلهاء معظمهم لا يوافقون مع وينستون، ولكن أيا منهم لا يستطيع أن يقول ذلك. وينستون ديكتاتور، وقراراته ليست قابلة للمناقشة، وزملاؤه يخافون منه".
على الصعيد السياسي، يتعلق الشبه بين الاثنين بسياستهما أكثر من شخصيتيهما، فمعروفٌ عن تشرشل حماسته التي لا تعرف الحدود للإمبراطورية والكولونيالية البريطانية. وكان مؤمناً حتى النخاع بتفوّق العرق الأبيض، وخصوصاً الشعوب التي تتحدّث الإنكليزية على السكان الأصلانيين للمستعمرات. وكان يحتقر الهنود وثقافتهم، وبشكل خاص المهاتما غاندي، ونعت المحاربين من أجل حرية كينيا بأنهم "متوحّشون مسلّحون بأفكار"، وسمّى العرب "قبائل همجيّة تأكل روث البعير". وفي ذروة الحرب ضد هتلر، طلبت حكومته أن يقلّص الجيش الأميركي قدر الإمكان مرابطة جنود سود على الأراضي البريطانية، ورفض مساعدة الذين كانوا يعانون من الجوع الشديد في الهند، وظلّ غير مبالٍ إزاء ضحايا الجوع الذين بلغ عددهم المليون، والذين اتهمهم بتخزين الطعام لأهداف السمسرة. ونتنياهو يتحدّث بعنصرية واستعلاء كهذا، ومثل تشرشل فخور بانتمائه للغرب وللّغة الإنكليزية، ولم يُظهر في يوم ما أي قدر من الاهتمام بالعرب أو الإسلام وبثقافتهم أو بتاريخهم.
بعد "طوفان الأقصى" والحرب الحاليّة على غزّة راجت تقديرات بأن كون نتنياهو المذنب الأساسي عن التقصير الاستخباراتي وعن الأداء الفاشل للجيش في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول وما بعده، يُثبت أنه يشبه سلف تشرشل، نيفيل تشامبرلين، المذنب في الهزيمة التي حدثت في بداية الحرب العالمية الثانية. بل رأى مؤرّخون أصحاب توجّهات يمينية أن نتنياهو هو المسؤول والمتهم بإخفاقات السابع من أكتوبر. ومن أبرزهم بيني موريس، الذي كتب أخيراً: لا أعلم ما إذا كان نتنياهو هو "الرجل الأكثر حقارةً في تاريخ الشعب اليهودي"، كما يقول كل أسبوع محلّل الاقتصاد في "هآرتس"، لكن لا شك في أنه الشخص الأكثر فساداً والأقلّ كفاءةً من بين زعماء إسرائيل على مرّ التاريخ، وهكذا سيحكُم عليه التاريخ.