ناصر الزفزافي... صفحة يجب أن تُطوى

ناصر الزفزافي... صفحة يجب أن تُطوى

09 ابريل 2024

شاب مغربي في برشلونة يحمل صورة ناصر الزفزافي (25/4/2020/Getty)

+ الخط -

في بادرة مثيرة للانتباه، ومع اقتراب عطلة العيد نهاية شهر رمضان، ونيابة عن الناشط والمعتقل السياسي المغربي ناصر الزفزافي الذي يقضي حكماً بالسجن 20 سنة، تقدّمت كلّ من لجنة العدل في جنيف و"فريدوم هاوس" ومنظمة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لحقوق الإنسان، في 1 إبريل/ نيسان الحالي، بالتماسٍ مشترك إلى فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي (WGAD)، في محاولة منها لتحريك هذا الملفّ الشائك، وتذكير الجهات المغربية المسؤولة بضرورة طيّه النهائي، ورأت فيه من أكثر الأشياء ضرراً بصورة البلاد، بل عنواناً غير مرغوبٍ فيه لاستمرار مرحلةٍ لا تزال مطبوعة بقمع الحريات والحقوق في المملكة المغربية. 
وبحسب ما يبدو لمتابعي الشأن المغربي، تكمن أهميّة هذه المبادرة أولاً، في محاولتها الاستفادة من المؤشّرات السياسية والحقوقية الأخيرة، فعلى سبيل المثال، صَنّف تقرير منظمة فريدوم هاوس لعام 2023 المغربَ بلداً حرّاً جزئياً، فوضعه التقرير في الرتبة 37 من بين مائة بلد، أما في مستوى الحقوق السياسية، فحاز المغرب تقدير 13 من 40، وفي مستوى الحرّيات المدنية حصل على رتبة 24 من 60. وهي تحاول كذلك الاستفادة من مناخ رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، فلا بد لهذا المنصب أن يسهم في زحزحة الوضع الحقوقي في البلاد نحو الأحسن (هذا هو المتوقع)، وإن بطي صفحة الاعتقالات السياسية التي طاولت الزفافي ورفاقه، فيما عرف بقضية حراك الريف سنة 2016 (من دون نسيان ملفّات أخرى سالبة حرية صحافيين عديدين). ولهذا، عبرّت المبادرة بقولها: "من المهم الآن أكثر من أي وقت مضى أن تدعم البلاد احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون"، مفصحةً عن توقّعات متفائلة دفعتها للقيام بهذه المبادرة، ولعلّنا نعلّق على الأمر بنوع من الإيجابية، التي تبين استمرار تعلّق المنظمات الحقوقية الدولية بواجهة من الطموح ونسبية متفائلة في استجابة النظام المغربي لدعواتها ومبادراتها. والأمر أشبه بالهدية الاستباقية للنظام المغربي، إن أُحسِنَتْ قراءتها والاستفادة منها لحلحلة الملفّ، وإنصاف المتضرّرين، وإنصاف صورة البلاد.

في ملف تنظيم كأس العام 2030، يعلم الجميع أنّ الأضواء ستسلّط على المغرب بلداً مضيفاً من نواح عدة، وليس على علاقة المغاربة بكرة القدم فحسب

ومن دون أن نُذكّر بمناخ الانتخابات الجماعية الجارية في المغرب أخيراً، فهي أيضاً من السياقات التي تحاول المبادرة الاستفادة من أجوائها السياسية، بالإضافة إلى ذلك، يمكن التكهّن بأنّ هنالك إشارات ذات دلالات إيجابية للمتابعين للشأن السياسي المغربي، المتعلقة تحديداً بسلسلة متابعات الفساد على المستوى السياسي والإداري، والتي خلّفت رجّاتٍ قوية لجلّ الرأي العام المغربي، ولعل مستوى الجرأة الذي ميّز هذه المتابعات، جعلت الكثيرين يستبشرون فيها نوعاً من الاستعداد التدريجي لطي مرحلة حقوقية وسياسية. أما الجانب الآخر من المعادلة، الذي يعلم الجميع أنّ المغرب لا يمكنه أن يدخله بالاكتفاء فقط بإعدادٍ جيدٍ لترسانته على مستوى البنى التحتية، بل لا بد أن تواكبه إصلاحات سياسية واجتماعية وحقوقية كبيرة، نقصد هنا ملفّ تنظيم كأس العالم 2030، الذي سيستضيفه المغرب بمعية البرتغال وإسبانيا. في ملف تنظيم كأس العام 2030، يعلم الجميع أنّ الأضواء ستسلّط على المغرب بلداً مضيفاً من نواح عدة، وليس على علاقة المغاربة بكرة القدم فحسب، ويعلم الجميع كذلك الأثر الذي من الممكن أن يحدثه الحضور الكبير لوسائل الإعلام الدولية، والتي بإمكانها أن تكون بوابة المغرب لمستقبل بوجهين، هو الوحيد القادر على اختيار أيهما يريد أن يكونه منهما.

الآلية المؤسّسية موجودة، والنظام المغربي يعي أهمية حضورها وفاعليتها أيضاً

وما دمنا نتحدث عن حقوق الإنسان، لا يمكن أن نتجاوز المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الواجهة المؤسسية التي لا ينكر الجميع مواكبتها للتحولات التي يعرفها المشهد السياسي المغربي، ومواكبتها النقدية نسبياً للوضع الحقوقي في المغرب. على سبيل المثال نذكر المذكّرة الجيدة حول أزمة الإجهاد المائي التي أصدرها المجلس بعنوان: "الحق في الماء: مداخل لمواجهة الإجهاد المائي بالمغرب" في عام 2022، إلى جانب التقارير السنوية حول حالة حقوق الإنسان في المغرب، كان آخرها تقريره الصادر في 2022 بعنوان: "إعادة ترتيب الأولويات لتعزيز فعلية الحقوق"، والذي بيّن في عديد من الإحصائيات التي تضمنها، تداخلاً مهما للمجلس على المستوى الدولي مع الهيئات الحقوقية الدولية، إذ بلغت هذه الشراكات حسب التقرير 11 شراكة مع مؤسّساتٍ وهيئاتٍ أممية ودولية، بالإضافة إلى تسجيله تسعة مناصب يشغلها المجلس داخل الهيئات الإقليمية والدولية في مجال حقوق الإنسان، وتسجيله رصيد عشرة خبراء مغاربة في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان،...إلخ. وهي كلّها معطيات تؤكد أنّ الآلية المؤسّسية موجودة، وأنّ النظام المغربي يعي أهمية حضورها وفاعليتها أيضاً، ومما يدل على هذه الفاعلية، يمكن الاستدلال بتنامي نسب لجوء العديد من الأفراد والجهات والمؤسسات إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان قصد إنصافهم. ومن دون أن نغفل أنّ كلّ هذه الواجهات المؤسسية، إلى جانب الوثيقة الدستورية 2011، إذا لم تتجاوز منطق المناداة بفعلية حقوق الإنسان الذي لا يزال حالياً أفقها الحقوقي، والعبور نحو انفراجات حقوقية حقيقية، أي فعلية ملموسة، فإنّ كلّ ما ذكر آنفا سيزيد الطين بِلّة، وسيعكس انتهازية في استغلال القوانين والمؤسسات بشكلانية فاضحة، وعلى مستوى دولي كبير هذه المرة.  
قضى الشاب ناصر الزفزافي ورفاقه ست سنوات داخل السجن، ولا يمكن لعاقلٍ إلا أن يقرّر أنها كافية لاسترجاع النظام حكمته، والإنصات لصوت العقل، وفتح الباب لأبناء المغرب الغيورين على مستقبله، كي يسهموا كغيرهم في بناء وطنهم كما يريدونه وكما يرسمونه في مخيالهم. تذكّر المبادرة بأنّ الرسالة التي بعثها ناصر من سجنه إلى جائزة ساخوروف لحرية الفكر التي يمنحها الاتحاد الأوروبي للقادة السياسيين والمعارضين والنشطاء والكتاب والصحافيين، والتي كان ضمن قائمة مرشّحيها في عام 2018، قد أوردت عبارة هامة، تُفصح عن الأحلام التي تراود ناصر من داخل سجنه، والتي لخصها في "الاستيقاظ يوماً ما في عالم من دون أسلحة وأن تعيش شعوبه بسلام فوق هذا الكوكب الأزرق الجميل".