نادي الجهاديين الاجتماعي!

19 ديسمبر 2021
+ الخط -

تركّز تقارير إعلامية كثيرة على دور الإنترنت ووسائل التواصل في ترويج تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ونشر دعايته الإعلامية والسياسية وفي عملية التجنيد، وهو دور مهم ورئيسي لا يمكن إنكاره، لكنّ الدور الأكثر عمقاً وتأثيراً هو لما يسميه الأنثروبولوجي الأميركي، أسكوت أتران، "النادي الاجتماعي"، في كتابه المهم "الحديث إلى العدو".

في كتاب "سوسيولوجيا التطرّف والإرهاب في الأردن: دراسة ميدانية تحليلية" (2018)، أشرت، مع الصديق موسى شتيوي، إلى ما أسميناه تحوّل الأنماط الجهادية من الفردية إلى العائلية، إذ لم يعد "العمل الجهادي" مقتصراً على الرجال الذكور، فهنالك تطوّر خطير يتمثل بتحوّل الجهاديين إلى مجتمع، يتشكل من عائلات تقوم على علاقات المصاهرة والزواج، فضلاً عن أنّنا نتحدّث عن أجيال من الجهاديين الأردنيين، منذ البروز الأول للتيار على الساحة الأردنية في منتصف التسعينيات.

كان المهم في الكتاب أنّنا اكتشفنا أنّ النسبة الكبرى من الجهاديين تطرّفوا أو اندمجوا في التيار من خلال علاقات القرابة والمصاهرة والصداقة والجوار والزمالة في العمل، وهي التي تشكّل فعلياً النادي الاجتماعي للجهاديين، فبرزت في الأردن بوضوح ظاهرة الأشقاء الجهاديين، وبدأ يظهر اتجاه للجهاديات الأردنيات، والأبناء الجهاديين، وكانت علاقات الصداقة والجوار الجغرافي والصداقة في المسجد والنادي، وحتى في لعبة كرة القدم، الديناميكيات الرئيسية في الدخول إلى "النادي الاجتماعي" للجهاديين. وقيد الانتهاء الآن كتاب جديد، مع الصديق والزميل زيد عيادات، عن الجهاديين الأردنيين، ولكن بعد انهيار تنظيم داعش وتأثير ذلك فيهم. المهم هنا ما يتعلّق بالنادي الاجتماعي للجهاديين، إذ أصبح أكثر حضوراً ووضوحاً، فقد أبانت دراسة ما يقارب 330 حالة ممن حوكموا في محكمة أمن الدولة بتهم الإرهاب والتطرّف، أن نسبة كبيرة من هذه القضايا كان واضحاً فيها أن عوامل القرابة والصداقة والزمالة هي الأساس في عملية التجنيد والدخول إلى التيار، وفي أغلب القضايا الكبيرة والتنظيمية أشقاء جهاديون، ولا تزال حالات الشقيقات الجهاديات حاضرة.

ما يعزّز النتيجة السابقة، أنّ العمليات والقضايا الجهادية في محكمة أمن الدولة في الأردن موزّعة على أساس جغرافي - اجتماعي، فهنالك خلايا ومجموعات أو تنظيمات بحسب المحافظات، فالأعضاء غالباً من الأقارب والاشقاء والأصدقاء، وأغلبهم من الحيّ نفسه، أو ممن تعارفوا في مسجد الحيّ، أو من يعملون معاً، وتكاد تختفي المجموعات أو التنظيمات العابرة للمحافظات أو الأحياء في جميع القضايا المتعلقة بقضايا الإرهاب والتطرّف في الأردن.

بالضرورة، ليست ظاهرة الأشقاء والأصدقاء الجهاديين ظاهرة أردنية، بل هي عالمية، وقد رأيناها في العمليات والأنشطة الداعشية الخطيرة في أوروبا، كما هي الحال في العالم العربي. ولعلّ أحد الفروق الرئيسية بين "داعش" و"القاعدة" ما جعل "داعش" بمثابة "طفرة" في مسار الجماعات الجهادية، أنّ التنظيم استدخل النساء والأطفال، وجعلهم مشاركين فاعلين في التنظيم والعمل والتجنيد، في دولته، إذ أُسِّس دور رئيس لهم، وأُفتي للنساء بالهجرة والالتحاق بالتنظيم، حتى لو كان ذلك من دون مُحرم، وتجاوز التنظيم فتوى "القاعدة" سابقاً باقتصار دور المرأة على بيتها، وعلى عدم الموافقة على هجرة النساء وحدهن، كذلك فإنّه من خلال تأسيس "أشبال الخلافة" استدخل الأطفال والأحداث، وهي التحوّلات التي لم تقتصر على أراضي "داعش"، بل انتقلت إلى دول ومجتمعات أخرى، ما أدّى إلى هذه التحولات الخطيرة.

في دراستنا الجديدة، كان واضحاً الحضور المقلق والمزعج للأطفال الأحداث في عديد من قضايا داعش، وكانت الشريحة المتشكّلة من الطلاب الجامعيين بارزة. والأخطر أنّ النسبة الكبيرة هي من الجامعيين أو الطلاب الجامعيين، بما يتجاوز ثلثي المحكومين في هذه القضايا، ما انعكس على سمات التنظيم وخصائصه... وبالمناسبة، نسبة البطالة محدودة بين المحكومين على خلفية قضية "داعش".

محمد أبو رمان
محمد أبو رمان
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية والمستشار الأكاديمي في معهد السياسة والمجتمع.