"ميونخ" الخاصة برونين بار

05 ديسمبر 2023

رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار (X)

+ الخط -

"حدّد لنا مجلس الوزراء هدفاً، هو القضاء على حماس. هذه ميونخ الخاصة بنا. سنفعل ذلك في كل مكان، في غزّة وفي الضفة الغربية وفي لبنان وفي تركيا وفي قطر. قد يستغرق الأمر بضع سنوات، لكننا مصمّمون على تنفيذه"، هكذا تحدّث رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، رونين بار، في تسجيل بثّته القناة "كان 11" التابعة لهيئة البثّ الإسرائيلي، مساء أول من أمس الأحد.
في استعادة بار مقتل 11 رياضياً إسرائيلياً في الألعاب الأولمبية الصيفية في ميونخ الألمانية، صيف 1972، لتهديد قادة "حماس"، أمور عدة لا يمكن تجاوزها. لم يكن ردّ الفعل الإسرائيلي على عملية ميونخ علنياً، بل أُحيط بالسرّية، وكانت نتائجه تُكشف مع اغتيال القيادات الفلسطينية من قبرص إلى فرنسا، مروراً بلبنان. ولم تكن العملية التي استمرّت عقوداً "مثالية"، إذ أوْدت بحياة المغربي أحمد بوشيخي في ليلهامر النرويجية، فقط لكونه يشبه، بعض الشيء، القيادي الفلسطيني علي حسن سلامة. بالتالي، ستكون أي عمليةٍ إسرائيليةٍ مشابهة لردّ الفعل على عملية ميونيخ محفوفة بالمخاطر، ذلك لأن "حماس" تدرك النوايا الإسرائيلية وتحتاط لها، كما أن التطوّر التقني بين عامي 1972 و2023، يساهم في إبطاء أي محاولة اغتيال مستقبلية خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة. 
وفي إفصاح بار ملاحظة يجدر أخذها بعين الاعتبار: "الشاباك" يعني الاستخبارات الداخلية، بينما "الموساد" ينظّم العمليات الخارجية، وهو من قام باغتيالات ما بعد "ميونخ"، سجّل بار نقطة على زعيم الموساد، ديفيد بارنيع، خصوصاً في تبادل تحميل المسؤوليات عن إخفاق 7 أكتوبر، رغم أن قادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين أعلنوا تحمّلهم المسؤولية، على أن تتم محاسبتهم "بعد انتهاء الحرب". سعى بار إلى دفع "الموساد" إلى الواجهة، ولن يتأخّر بارنيع في الردّ عليه في الأيام المقبلة. 
أغلب الظنّ أن كلام بار لا يُمكن الاعتداد به. يحتاج الإسرائيليون "انتصارات سريعة"، وهو ما ثبت عدم حصولهم عليها، رغم عدوانهم على غزّة الذي يدخل شهره الثالث، الخميس المقبل. والعمل فترة طويلة في عصرٍ متسارع، لن يجدي نفعاً. كل شيء يتغيّر بين لحظة وضحاها. وعلى افتراض نجاح الاحتلال في اغتيال قيادي حمساوي، فإنهم لن يتمكّنوا من اغتيال غيره. وحتى ذلك الوقت، يكون بار وبارنيع ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد باتوا في سنّ التقاعد أقله. 
ملاحظة أخرى، يجب التركيز عليها: لم يعد للموساد قدرة على تنفيذ عمليات في الخارج في دول تربط بإسرائيل علاقات طبيعية، والنجاة منها من دون محاسبة. ونموذج تحرّك القضاء النرويجي في قضية بوشيخي سيزداد اتساعاً لدى دول أخرى، لأن تلك الدول ترفض عملياً أي عملية اغتيال على أرضها. وفي تحديد رئيس الشاباك لبنان وقطر وتركيا، فإن تهديده بيروت، وهي النقطة الأضعف بين البلدان المعنية، لن يمرّ بسهولة، فكيف في الدوحة وأنقرة؟ 
عامل آخر تجاهله بار، وهو الدور الأميركي. لن يوافق الأميركيون الذين يقدّمون كل شيء للاحتلال، بسهولة، على مثل هذه العمليات، خصوصاً أنه في حال انتهى العدوان بتسوية سياسية، فستتطلب المحافظة على الرموز المؤثرة لدى كل الأطراف، حتى لا تبقى الملفّات عالقة. "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر (2023) غير عملية ميونخ في 5 و6 سبتمبر/ أيلول 1972.  
يعني كلام بار في الأساس أن العشوائية تحكم الحراك الإسرائيلي، والحديث العلني عن تكرار الرد على عملية ميونخ ليس فيلماً سينمائياً، بل واقع لن ينجح. مع العلم أن قول أفيغدور ليبرمان إنه "لا يمكن لإسرائيل أن تستمرّ في الرقص على ناي (يحيى) السنوار" يلخّص الضبابية لدى الاحتلال، ويؤشّر إلى فوضى سياسية وعسكرية لم تشهد إسرائيل مثلها. وحتى ذلك الحين، يخوض بار ميونخ الخاصة به وحده في سياق الصراع الدائر بينه وبين بارنيع، وأحدُهما سيخسر، في تأكيد لحتمية صراعات أجهزة الاستخبارات.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".