ميركل نصبت الفخ

22 مايو 2021

ميركل تتحدث في مؤتمر صحفي في برلين (8/5/2021/Getty)

+ الخط -

معقدة علاقة ألمانيا وإسرائيل، وعبء التاريخ فيها يعرفه كل من له دراية بتاريخ ألمانيا النازية. وبعد عقود طويلة على انتهاء حكم النازية، لا تزال إسرائيل تستثمر "عقدة الذنب" سياسيًا، بعدما جنت منها تعويضاتٍ تزيد على ثمانين مليار مارك ألماني. وفي مرحلة الجفاء البريطاني الإسرائيلي القصيرة، بقيت ألمانيا، خلال تلك السنوات الأكثر حساسية في تاريخ إسرئيل، ثاني أكبر مورّد للأسلحة لإسرائيل.

وفي ما قد يبدو تحوَّلا مهما، أعلنت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أنها لا تمانع في التفاوض غير المباشر مع حركة حماس كضرورة واقعية لأجل حل النزاع في الشرق الأوسط. يبدو التصريح "ظاهريًا" تحولًا بحق جماعة مدرجة على لوائح الإرهاب في دول عديدة، في مقدمتها الولايات المتحدة، وهو على الأرجح فخٌّ تساهم في إعداده ألمانيا، اتساقًا مع التوجّه الجديد في البيت الأبيض نحو إسرائيل في ظل إدارة الرئيس الأميركي بايدن التي تنطلق في علاقتها بإسرائيل من عدة منطلقات، أولها، إسرائيل في حاجة إلى من ينقذها من أي خطر من خارجها، وفي حاجةٍ بالقدر نفسه، لمن ينقذها من نفسها، فالحفاظ على "يهودية إسرائيل" لا يتحقق إلا بحل الدولتين. الثاني، أن الدعم المطلق لـ "أمن إسرائيل" لا يعني الدعم المطلق لـ "سياسات إسرائيل". الثالث، مصالح أميركا وإسرائيل متشابكتان لا متطابقتين، وبدا هذا واضحا في الفترة القصيرة من حكم بايدن، في السجال العلني بشأن العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، حيث تراه إسرائيل تهديدًا صريحًا لأمنها. وفي المسافة بين "التطابق" و"التشابك" بين مصالح الدولتين، تتراكم مؤشّرات التغير الملموس في درجة ثبات الدعم الذي تتمتع به إسرئيل في الغرب عمومًا، حيث بقيت منذ نشأتها "استثناءً" من كل قواعد السياسة المعروفة، وتآكل هذا الاستثناء، نسبيًا، على جانبي الأطلنطي سيكون قيدًا على العلاقات الأميركية الإسرائيلية. وكانت البداية في الحرب التي انتهت قبل ساعات.

وخلال سنوات، كانت هناك محاولات متكرّرة لاستدراج "حماس" إلى تفاوض مع إسرائيل، وهو ما رفضته "حماس". وتصريح ميركل يمثل تحولًا من حيث هو قفز على حقيقة أن الحركة موصوفةٌ بالإرهاب رسميًا. وجدير بالذكر هنا أن إدارة بايدن اعتبرت إدراج جماعة الحوثيين في اليمن إرهابية يضر بمساعي التسوية في اليمن، فهل يمتد نطاق "الواقعية السياسية" ليشمل حركة حماس؟

محاولات متكرّرة لاستدراج "حماس" إلى تفاوض مع إسرائيل، وهو ما رفضته

السؤال منطقي في ضوء ما يعتبره كثيرون تحولًا في خطاب إدارة بايدن عن: وضع القدس غير المحسوم، وحل الدولتين، وعودة أميركا لتقديم مساعدات للفلسطينيين، وأخيرا رغبة أميركا في الاشتراك في إعادة إعمار غزة ... وغيرها من مفرداتٍ يبدو منها بايدن راغبًا في الرهان على إمكان تحقيق مكسب سياسي، عبر اعتماد الإغواء والاحتواء الناعم بدلًا من سياسات ترامب الصدامية. وثمّة رهان أميركي قديم جديد على إمكان فصل المقاومة (و"حماس" هنا مجرد رمز لها) عن الجماهير الفلسطينية الداعمة لها عبر دعم اقتصادي يغير نظر الفلسطينيين لـ "الحياة" و"الموت"، وهو رهانٌ لا يستوعب الكثير من حقائق التاريخ.

وليس التفاوض جلوسًا إلى طاولة، بل "أُطر حاكمة". وبالتالي، يستدعي الحديث عن تفاوض غير مباشر أولًا إعداد "العصا" و"الجزرة". وفي العام 2017، أعلنت "حماس" ما سميت "وثيقة مبادئ سياسة جديدة"، متضمنة قبولها دولة على حدود 4 يونيو/ حزيران 1967، من دون اعتراف بإسرائيل، وهو ما لم يغير موقف إسرائيل، ولا أيٍّ من حلفائها الغربيين. واليوم تسعى برلين (أرجح إن الدعوة نوقشت مع تل أبيب وواشنطن) إلى تفاوض غير مباشر. والرسالة الأولى أن تجميد الصراع إلى أجل غير مسمّى لم يعد حلًا مُرجحًا. وأحد أهم العوامل التي لا يكاد يتنبّه إليها، وإلى مآلاتها، في الخطاب التحليلي السائد عربيًا، أن المستوطنين الصهاينة وحلفاءهم السياسيين الأكثر تطرّفًا، بسبب الوزن النسبي السكاني المتزايد باطراد سيكونون، في الأجل المنظور، عبئًا ثقيلًا على حلفاء إسرائيل، بسبب أطماعهم الشرهة وسلوكياتهم العنيفة.

هل نضج تفاهم ألماني أميركي على نصب فخٍّ بهدف اصطياد تنظيمات المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها "حماس"، وفي الوقت نفسه، اصطياد جماعات المستوطنين الصهاينة؟