ميركل تكافئ النازية المصرية
ماذا حدث لكي تقف ميركل على منصة واحدة مع ممثل النازية المصرية، فيما رفض رئيس البرلمان الألماني استقباله، احتراماً للشعب الألماني وقيمه الديمقراطية والإنسانية؟
إن برلين بالتحديد كانت تبدو الأكثر أخلاقية في التعامل مع ثورة المصريين في يناير/ كانون الثاني 2011، وليس أدلّ على ذلك من أنها رفضت اعتماد سفير مصري لديها، ارتبط اسمه بالثورة المضادة وموقعة الجمل.
قبل خلع حسني مبارك بساعات، أجرى وزير خارجيته أحمد أبو الغيط حركة سفراء أطلق عليها حينها "سفراء الليل في عزبة أحمد أبو الغيط"، كونها لم يتم الإعلان عنها، وأراد الوزير قبل سقوط مبارك، تلغيم الدبلوماسية المصرية بوضع رجال النظام في السفارات الحساسة.
وقد فجّرت هذا الملف وقتها، بعد أربعة أيام فقط من خلع حسني مبارك، وكتبت "إن أول ما يلفت النظر في حركة سفراء الليل هو أن وزير الإعلام المخلوع أنس الفقي كان حاضراً وبقوة، إذ تضمنت الحركة تعيين رئيس الهيئة العامة للاستعلامات إسماعيل خيرت سفيراً لمصر فى ألمانيا، وواضح أنها مكافأة له على أنه أبلى بلاءً حسناً في ممارسة التضليل الإعلامي بشأن الثورة، وإهانة وعرقلة عمل المراسلين الأجانب الذين جاؤوا لتغطية الأحداث، ولكي ينعم خيرت بسفارة ألمانيا كان لا بد من إخلاء المكان له ومن ثم نقل سفير كفء ومشهود له بالنزاهة والاستقامة من ألمانيا إلى جمهورية التشيك، وهو السفير عزالدين رمزي، وبالمناسبة هو ليس مصدر هذه المعلومات كي لا تمتد يد أبوالغيط له بالبطش".
الغريب أنه بعد الكشف عن هذه الفضيحة الدبلوماسية، أُلغيت حركة السفراء، أو أرجئت، أو عطلت، إلى حين، ثم مع ظهور الوجه الحقيقي لحاكمي البلاد عسكرياً، تم تنفيذها جزئياً، وكان مثيراً للدهشة والاحترام معاً، أن الخارجية الألمانية رفضت تعيين "خيرت" في ظل تقارير عن اتهامه بالمشاركة في جريمة "موقعة الجمل" بإصداره أوامر بطبع آلاف الملصقات المؤيدة لنظام مبارك والمحرضة على الثورة، وبالفعل لم يتم تعيينه سفيراً في ألمانيا، حتى وقع الانقلاب وجاءه صهره سامح شكري وزيراً للخارجية، فتم تعيينه سفيراً لنظام السيسي في طوكيو.
إذن.. يبدو لافتاً أن برلين التي رفضت استقبال سفير اتهم بدعم "موقعة الجمل"، عادت واستقبلت رئيساً مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن إراقة دماء آلاف المصريين، إنْ بالقوة المسلحة، في عمليات شاهدها العالم على الهواء مباشرة، أو بقرارات الإعدام المُملاة على القضاء، المسيّس من رأسه حتى قدميه.
لقد وقف عبد الفتاح السيسي مع مستشارة ألمانيا معلناً، في زلّة لسان، عن كراهيته لثورة يناير، التي امتطى رموزها مؤقتاً، للعبور إلى الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013، من خلال عملية افتراس للوعي العام، من خلال ترويج "الكذبة القومية الكبرى" بأن يونيو يكمل يناير.
قال السيسي في المؤتمر الصحافي أمس: "إن مصر عانت طوال السنوات الأربع الماضية من حالة ثورية"، ليسفر عن وجهه الحقيقي كجنرال كاره للثورات، مخلص جداً لتراث الانقلابات، متلعثماً وهو يردد كلاماً شديد الوضوح في احتقاره للديمقراطية، حين أقر بوصول الرئيس محمد مرسي إلى الحكم عبر عملية انتخابية ديمقراطية سليمة، وأنه عزله واختطفه، وجلس مكانه في سدة الحكم عبر انتخابات أخرى، فاضحة في عبثيتها وهزليتها.
قال كل ذلك، بينما المستشارة لم تعلّق، وكأن صوت الشركات أعلى من صوت البرلمانات، ونداء الصفقات مقدّم على احترام الديمقراطيات، وقد كنت أتمنى لو أن أحد حضور المؤتمر قد وجّه لها سؤالاً محدداً عن وحدة القياس المعترف بها للتعرّف على إرادة الشعب في ألمانيا وأوروبا، هل هي صندوق الانتخاب، أم صندوق الذخيرة، وصناديق المياه الغازية والمعدنية التي توزع على متظاهرين جرى استدعاؤهم كوقود لانقلاب؟
كنا نريد أن نسمع من أنجيلا ميركل رأيها في النسخة المصرية من النازية، والطبعة السيسية من بروبغاندا "غوبلز" و"هتلر".
أغلب الظن أنها لو دققت في وجوه رجال أعمال السيراميك وتوابعهم من الإعلاميين، والفنانات الفاشيات، لرأت وجه "غوبلز"، ولو تفحّصت ملامح الواقف إلى جانبها على المنصة مليّاً، لأطلّ عليها وجه "هتلر".