من ينتخب السلطة في بلادنا؟

من ينتخب السلطة في بلادنا؟

28 فبراير 2021
+ الخط -

ما زالت طريةً تلك السردية غير العجيبة التي حملت دونالد ترامب إلى رئاسة البيت الأبيض في الولايات المتحدة، بقوة المال والعقارات ومليشيات اليمين المتطرّف، وقد حكم أربعا عجافا، شابه بها ما نراه اليوم في بلادنا من سلطاتٍ غير منتخبة من الدواخل الوطنية، بقدر ما يجري تنصيبها من مرجعيات الهيمنة الدولية وأجهزتها الأمنية والمخابراتية. وحتى وهو يغادر البيت الأبيض، حاول ترامب، كما فعل ويفعل سلطويون كثر في بلادنا، وفي ما يشابهها من بلدان، التمسك بمواقعهم من دون وجه حق، حيث لا قيمة للعملية الانتخابية، ولا ثقة بقوانين الانتخاب؛ القابلة دائما للخرق والتزوير والتأويل، وحتى إلغاء نتائج الانتخابات في نظر مواقع السلطة الأبرز في الدول الفاشلة.

أي ديمقراطية هي هذه؛ هنا وهناك وهنالك؟ وقد شكلت وتشكل "ديمقراطية" إعادة اختيار السلطة كما "انتخابها"، عملية سطو وابتزاز، لا تقود إلا إلى تصفيح الاستبداد وهيمنته، وإطالة عمره المقترن بعمر السلطة منذ ولدت أول مرة. هذا هو حال "ديمقراطية" السلطة في بلادنا، حين لا ولم تنل شعوبنا جرّاءها، سوى الخراب والدمار لتطلعاتها في أن تحكم نفسها بنفسها، وفق نظرية "حكم الشعب للشعب من أجل الشعب"، وهي النظرية التي يشهد على غيابها تاريخنا كله، وصولا إلى العصر الحديث، المفترض أنه عصر الخيارات الحرّة والمستقلة، المعمّدة بحرية الانتخاب وديمقراطية الاختيار، وهي الخيارات التي طالما طمستها السلطة الأبوية، والسلطات التي تفرّعت عنها ومنها، إما بالتوريث، أو بالاغتصاب مرة، وبالفرض والإكراه مرات، وحوّلت الدولة المعاصرة إلى كيان هش، تهيمن عليه سلطةٌ تستبدّ به، وكأنه ملكية خاصة بها ولها، بغض النظر عن دورها أو أدوارها الوظيفية المفترض أنها تعود إلى الصالح العام والمنافع العامة. وهذا هو على الأقل الدور المنوط بمؤسسات الدولة، قبل أن تحوّلها السلطة إلى ملكية خاصة بها ولها ولعائلاتها، حيث أصبحت الدولة رهينة تلك العائلات السلطوية، وذلك بقوة الأمر الواقع والاستتباع لخارج إقليمي أو دولي، لا بقوة أي شيء آخر.

أصبحت الدولة رهينة العائلات السلطوية، وذلك بقوة الأمر الواقع والاستتباع لخارج إقليمي أو دولي، لا بقوة أي شيء آخر

ذلك هو حالنا اليوم مع الدولة والسلطة، وأزعومات الديمقراطية والانتخابات الحرّة، في وقتٍ بدا ويبدو وفي ضوء الخبرات المعاشة مع ما تسمى العملية الانتخابية في بلادنا، أن السلطة لا يمكنها التسامح مع بدائل لها، حين تخسر الانتخابات، لتسلمها لغيرها، وإلا لما كانت ستُقدم عليها أصلا. ولذلك تسعى إلى عمل المستحيل، من أجل أن تجدّد أو تمدّد لذاتها، مهما تكن النتائج، وكأنها مالكة الزمام الأبدي، على ما استوت على عروشها سلطويات استبداد جمهورية، تقمّصت روح ملكياتٍ تمسمرت على عروشها بفعل دساتير ملكية وإرث ملوكي استملاكي، ملك السلطة والوطن والشعب بدون منازع.

لقد مرّ وقت غير قليل على المتاجرة بمسألة الديمقراطية والاقتراع الانتخابي، وكأنها الترياق الشافي لحل مسائل تداول السلطة وانتقالها أو تغييرها عبر صناديق الاقتراع. ثم تبين، في أوقاتٍ لاحقة، وبفعل سلوك السلطة وممارساتها غير السوية، أنها ليست كذلك، بل هي السم الزعاف القابل لمنح هذه السلطة أو تلك إكسير حياةٍ يمدّ بعمرها ويطيل غيها وجورها على الناس؛ الأمر الذي يستدعي، بالتأكيد، ثورة الناس عليها لتغييرها وقبعها من جذورها.

تختلف ديمقراطية الشعوب الوطنية عن التي تسعى إلى فرضها دول الغرب على شكل ديمقراطيةٍ كولونياليةٍ مشروطة

هذا هو الجانب المعتم من سلوك السلطة، في مضيّها العمل على ديمومة بقائها سيدة السلطة المطلقة، وكأن لا حق لأي آخر أو آخرين منافستها، أو ربح أي جولةٍ من جولات الاقتراع. لكن الأسوأ هو ما تلجأ إليه أطراف السلطة في دعاياتها الانتخابية، وما تسرفه من شعارات، واتهام المنافسين والخصوم بالتخوين الوطني والتكفير الديني، وتركيب حكايا وسرديات أفظع من ارتكابات أهل السلطة، في لعبةٍ من أقذر أنواع القتل والاغتيال السياسي وتزوير ملفات ملفقة عديدة. وهنا تتساوى كل السلطات الراحلة والقادمة، لا فرق بين أخلاقيات هذه السلطة أو تلك وقيمها؛ فالكل في طاحونها وميادينها سواء.

بالطبع، تختلف ديمقراطية الشعوب الوطنية عن التي تسعى إلى فرضها دول الغرب على شكل ديمقراطيةٍ كولونياليةٍ مشروطة، تختلف في مراميها وأهدافها عن تلك الوطنية، ما يهدف وهدف إليه الغرب منذ تبنّي محاولات فرض الديمقراطية بالقوة والإغراءات، جعل الدولة/ الدول المراد دمقرطتها تابعةً غير مستقلة، بقدر ما هي مرتبطةٌ ارتباطا وثيقا باستراتيجياتٍ غير وطنية، تضرّ إضرارا مؤكّدا بقضايا ومصالح وتطلعات الشعوب التواقة للحرية والاستقلال، والتحرّر من مكبلات كولونيالية الغرب الاستعماري، ومن يواليه من أنظمة سياسية عميلة وكيانات وظيفية، عملت وتعمل في خدمته على الضد من مصالح وتطلعات شعوبها.

متى كانت السلطة في بلادنا منتخبة، ومن ينتخبها للقيام بما تقوم به من أدوار ووظائف، وعلى أي أساسٍ برنامجي يمكن أن تحاسب؟

بين المنظومة السلطوية الحاكمة في العدد الأكبر من بلداننا العربية، وما يحيطها من بلدان، وبين الديمقراطية والقوانين المدنية، بون شاسع من الممارسات والمسلكيات الوحشية والإرهابية البوليسية، وهي أقرب إلى المنظومات العسكرية الفاشية التي تحكم بلدانها بدعمٍ من غرب استعماري قدّم لها الدعم والإسناد، للقيام بأدوارٍ وظيفيةٍ كلفها بها، كما سبق وكلف بها كيان الاحتلال الاستيطاني في فلسطين، على الرغم من ادعائه دعم الديمقراطية والانتخابات وانتقال السلطة، وهي أزعومات ثبت أنها مارقة وكاذبة، ولا علاقة لها بما يدّعيه غرب كولونيالي يريد استمرار الهيمنة، لا إفادة الآخرين من نتاجات الحداثة والمعاصرة، وتأسيس وعي مضادّ للتخلف والتبعية.

يبقى السؤال الأكثر إلحاحا المطروح في واقعنا العربي المأزوم: متى كانت السلطة في بلادنا منتخبة، ومن ينتخبها للقيام بما تقوم به من أدوار ووظائف، وعلى أي أساسٍ برنامجي يمكن أن تحاسب، ومن يحاسبها في ما لو قصّرت؟ وهي القادمة على صهوة المال والجاه وربما السلاح، وبدعم قوى إقليمية/ دولية، مهمتها الرئيسة التحكّم والسيطرة داخل الدول التي تحكمها سلطة داخلية ممسوكة، تابعة لسلطةٍ خارجيةٍ هي الناخب الأبرز في عالم السلطات والدول التابعة.

47584A08-581B-42EA-A993-63CB54048E47
ماجد الشيخ

كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في لبنان. مواليد 1954. عمل في الصحافة الكويتية منذ منتصف السبعينات إلى 1986، أقام في قبرص، وعمل مراسلا لصحف عربية. ينشر مقالاته ودراساته في عدة صحف لبنانية وعربية.