من لبنان إلى البرازيل

25 ابريل 2016

رئيسة البرازيل ديلما روسيف في قصر الرئاسة (19 إبريل/أ.ف.ب)

+ الخط -
ربما يعدّ لبنان أكثر بلد عربي يتحدّث فيه الإعلام، وسياسيون ومثقفون بلا عدد، ونوابٌ ووزراء، كما رأيٌ عام واسع، عن فسادٍ متوطّنٍ فيه، من دون مساءلةِ أيِّ متهمٍ به في أي ملف، فلم يحدُث أن حوكم أي مسؤولٍ راهن أو سابق، بتهمة ارتكابه شيئاً من هذا الفساد الوفير. وينتسب التراشق، المستجدّ بين الوزير نهاد المشنوق والنائب وليد جنبلاط، واتهام كل منهما الآخر بالفساد، إلى هذا الفلكلور اللبناني الذي تألق ميشال عون فيه طويلاً، عندما كان يُفرط في الانفعال، وهو يخطب أمام "جماعته" عن الفاسدين، فيما هو نائبٌ منتخبٌ، وفي وسعه أن يقدّم ملفاتٍ في اتهاماته هؤلاء للقضاء، بدل المهرجانية التي تفوّق فيها، إبّان همّته التي صارت فاترةً، على نظرائه من الزعامات إياها في حالاتهم المهرجانية. وفيما لم يعد اللبنانيون يأخذون هذه المشاهد على محمل الجد، انتبه كثيرون منهم إلى أن واحداً من أرومتهم يقترب من رئاسة البرازيل، فيما صار عدّهم جلسات مجلس النواب لانتخاب رئيسٍ لبلدهم أقرب إلى الفكاهة (38 مرة). ولكن، من دون التحديق في أن ميشال تامر هو نائب الرئيسة الحالية، البلغارية الأصل، واليسارية، ديلما فانا روسيف، وأحد الذين يحفرون ضدّها لإطاحتها، وسط أزمةٍ سياسيةٍ، وزوابع بشأن فساد ثقيل هناك، يتردّد اسم هذا الرجل واحداً من أعلامه، وهو حليف رجال أعمال موصوفين بأنهم غير نظيفين، وفي أرشيفه أنه كان من أهل الحظوة لدى الحكم العسكري، قبل أن تنعطف البلاد إلى مناخ مدني ديمقراطي في العام 1985، تأهلت في أثنائه روسيف، في 2010، للرئاسة، وتواجه، منذ أسابيع، حملة تتهمها بفسادٍ تنفيه بالمطلق، ساهمت فيها أغلبيةٌ في مجلس النواب، نجحت في التصويت لطرح موضوع إزاحة روسيف في مجلس الشيوخ الشهر المقبل.
نقرأ أن الفساد في البرازيل جزءٌ من ماكينة الدولة، بحسب خبيرٍ في شؤونها، وأن فضيحتين كبريين يخوض الإعلام والرأي العام هناك بصددهما كلاماً كثيراً، ويجري تحقيقٌ فيهما، وثمّة أسماء وفيرة في مجلسي النواب والشيوخ وفي السلطة متهمة، أو يتردّد تورّطها فيهما. والأوضح، في مجمل التفاصيل، أن الجهد الذي ينشط ضد الرئيسة روسيف لا يتهمها بفسادٍ استفادت منه، أو باختلاس أو حساباتٍ مشبوهة أو تربّح أو استغلال نفوذ، مما يُرمى به نواب وفاعلون ينخرطون في الحملة ضدّها، وإنما هو تلاعبها في حساباتٍ عامة، تقول إنه أمر معهود، سبق أن بادر إلى مثله أسلافٌ لها في الرئاسة. وأياً تكن مواضع الحق والحقيقة معها أو ضدّها، وهذا شغل مختصين وقانونيين، فإن من الحق والحقيقة أن يُلاحظ أن الاستهداف الذي تُواجه به الرئيسة لا يعود بالضبط إلى هذه القصة، وإنما لخياراتٍ اشتراكيةٍ انتهجتها وحزبها العمالي، مواصلةً بذلك ما دشّنه سلفها، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا. الأمر الذي يؤكده التحالف بين لوبي الفساد واليمين المتوحش، بدعاوى النيوليبرالية، والذي يقود الحملة ضد الرئيسة التي تعلن أنها "لن تدع نفسَها تُذبح"، واتهمت نائبها، المبْتَهج به في البلدة اللبنانية التي ينحدر منها، وآخرين معه، بقيادة "التآمر" عليها.
لا بأس من مقادير من التعاطف مع ديلما روسيف، الرئيسة المحبوبة من أغلبيةٍ عددية في البرازيل، خصوصاً من الفقراء، طالما أن نواباً كثيرين ممن نجحوا في الخطوة الأولى لإطاحتها ليسوا على نظافةِ اليد والنزاهة المطلوبتين، بل هم حلفاء تكتلٍ واسع من رجال أعمال فاسدين أو مشبوهين، حاربهم دا سيلفا، وواصل حزب العمال، في سياسة الائتلاف الحكومي، المهتزّ أخيراً، فرض ضوابط على حركة أموالهم، في غضون عمليةٍ إصلاحيةٍ صعبة، لم تأت نتائجها بالثمار المتوخّاة تماماً، وإن تبدّت مكاسبها منظورةً، وانتفعت منها شرائحُ غير قليلة في المجتمع.
كأن الفساد في لبنان موضوعٌ للدردشات والنمائم ومواسم الخطابة، فيما هو في البرازيل موضوعُ حربٍ جديّةٍ، يخوضها الخصوم ضد بعضهم بأدواتٍ مشروعة وغير مشروعة، قد تكون من ضحاياها الرئيسة ديلما روسيف، مظلومةً على الأغلب.


معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.