مقاومة ضد المقاومة

12 يوليو 2022

(كاظم حيدر)

+ الخط -

من الصعب إنكار الحقّ الأخلاقي بمقاومة قوّة محتلة للبلد، مهما ادّعت هذه القوة أنّها قوّة خيّرة وستجلب المنافع للبلد المحتل. ولكن، في الحالة العراقية، هل ما زالت المواقع ذاتها، للمقاوم ومن يقاومه؟
ما سوى الجرائم والأخطاء المقصودة وغير المقصودة التي ارتكبتها قوّات التحالف بقيادة أميركا بُعيد غزوها للعراق في 2003، والتي أنتجت موقفاً سلبياً عند من تعرّض لهذه "الأخطاء"، فإن الاحتلال ولّد، بشكل تلقائي، انقساماً اجتماعياً، فكلّ المستفيدين من نظام صدّام وجدوا أنفسهم معارضين للوضع الجديد. هناك من احتفظ بموقفه المعارض لنفسه، أو كتعبير سياسي أو اجتماعي، وهناك من حمل السلاح لـ"مقاومة المحتلّ". هناك من وجد نفسه مقصياً من "مغانم" الوضع الجديد، رغم أنّه معارض لصدّام، فاندفع أيضاً إلى جبهة المعارضين للاحتلال، وهناك من لديه موقف مبدئي ضد الاحتلال، أيّاً كان، ويراه شراً ابتدائياً.
مع ذلك، ففي بلد منهك ومثخن بجراح الماضي، كانت الغالبية من الناس لا تؤيد أيّ أعمالٍ عسكرية ضد قوّات الاحتلال، وترى في النخب السياسية الجديدة التي صارت القنوات الفضائية تصدّرها للناس بشكل يومي، أملاً ما وبديلاً عن نظام صدّام، وأيضاً إمكانية أن يؤدّي بناء نظام سياسي جديد، ديمقراطي وعادل، إلى إخراج المحتل من البلد بطريقة سلمية. وهذا ما تحوّل إلى مسارٍ أساسي في الوضع الجديد، خصوصاً مع رعاية المرجعيات الدينية صاحبة النفوذ الروحي الأكبر على غالبية السكّان في العراق؛ فلا حلّ لإخراج المحتلّ إلّا بالطرق السلمية، وعن طريق بناء نظام سياسي جديد يمثل إرادة الجماهير، وينتج حكومةً متكاملة الصلاحيات.
كان هناك تذمّر يمكن ملاحظته بسهولة عند نسبة كبيرة من المواطنين من "أعمال المقاومة" التي جعلت المدن والأحياء ساحات مواجهة، وعطّلت حياة الناس، بل وعرّضت كثيرين إلى الموت عن طريق الخطأ، أو للاعتقال بتهمة الانتماء للمقاومة! وخلال ذروة الأحداث، ارتكب الجميع جرائم وأخطاء كارثية؛ الأميركان والمقاومون والسلطات الأمنية العراقية الجديدة. وفي بعض الحالات، كان من الصعب تحديد الطرف الأكثر أخلاقية في المعركة.
وبعد انسحاب آخر جندي أميركي من العراق نهاية العام 2011، كان من الممكن أن تدّعي فصائل المقاومة السنية والشيعية أنّ هذا الانسحاب حصل بسبب جهودها، لتنافس التيارات السياسية التي رعت هذا الانسحاب على المكسب المعنوي الكبير.
كان هناك من المراقبين من يرى أنّ مغادرة الأميركان، بوصفهم قوة محتلة، سيساعد على رأب الصدع الاجتماعي والسياسي في العراق، بغض النظر عن صاحب الفضل الأساسي فيه، فهذه لحظة مشتركة ما بين النظام السياسي وفصائل المقاومة، فالأول حقّق الخطّة السياسية التي كان يرعاها، والثاني حقّق الهدف الذي تشكلت فصائل المقاومة من أجله؛ إخراج المحتل من البلاد.
وفي واقع الأمر، لم يُلق أحدٌ السلاح حتى الساعة، فهذا السلاح المقاوم مفيد. لقد استخدم سابقاً في الحرب الطائفية (2005 - 2007)، واستخدم للابتزاز والسيطرة على المصالح الاقتصادية، ولفرض الإرادة السياسية وللإرهاب المجتمعي، ثم ذهب جزءٌ منه إلى الصراع الأهلي في سورية، ثم توزّع "المقاومون" السابقون طائفياً على طرفي جبهة الحرب الداعشية.
أما اللحظة بالغة الإثارة فهي التي مهرها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بيده؛ حين أجهض قدرة الأجهزة الأمنية الرسمية في مواجهة عصابات "داعش"، لتحلّ "فصائل المقاومة" محلها في هذه المواجهة الحسّاسة. ليرث المقاومون لاحقاً النظام السياسي كلّه في انتخابات 2018. وليتحوّل المالكي نفسه إلى عرّاب المقاومين، منتقلاً بخفّة من ضفّة إلى أخرى، من العملية السياسية التي تمثّل إرادة الشعب العراقي إلى المجموعات المسلّحة التي كان يقاتلها هو بنفسه أو هكذا كان يدّعي باعتبارها خارجة على القانون.
لا تبدو حجّة المقاومين اليوم قويّة، ويبذل مدوّنوها وشخصياتها التي تظهر على الفضائيات جهداً كبيراً لاختلاق "عدو محتل" يبرّر وجودها كمقاومة له. وهذا ليس صعباً في نهاية المطاف، فألاعيب اللغة تتيح إمكانية واسعة لاختلاق واختراع أيّ شيء، سوى الحقيقة. والحقيقة أنّ هذه الفصائل تتصرّف بوصفها قوة احتلال تفرض نفسها على الشعب العراقي، وتستحقّ هي المقاومة!

أحمد سعداوي
أحمد سعداوي
كاتب وروائي عراقي