مقاربات مليشياوية
يخيّل للمستمع إلى خطاب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، يوم الأربعاء، عشية تفاقم الاحتجاجات التي تشهدها مناطق يمنية عدة، خصوصاً في عدن، أنّ الرجل لم يتعلم درساً واحداً طوال مسيرته السياسية والعسكرية. وسواء ارتدى بزّة رسمية بربطة عنق، أو عسكرية، وأضاف إلى جانب اسمه ما شاء من صفات، مثل رئيس المجلس الانتقالي بعد أن تنازل عن صفة "الرئيس" التي كان يعتمدها منذ إعلان المجلس قبل سنوات، أو "القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية"، فلا شيء سيتغير في ما يتعلق بمقارباته المليشياوية للأزمات في جنوب اليمن.
خرج الناس في عدن، وإن كانت أعدادهم لا تزال تقدّر بالمئات، إلى الشوارع، للتعبير عن سخطهم من الأوضاع المعيشية المنهكة، لا سيما مع انعدام الكهرباء وسط درجات حرارةٍ عالية، وغلاء الأسعار، والعجز عن تأمين قوت يومهم، جرّاء الانهيار المتسارع للعملة، وعدم تحمّل أي طرفٍ مسؤولية ما يجري، فردّ عليهم الزبيدي بشيطنتهم. استحضر "مليشيات الحوثي وقوى الإرهاب والتطرّف"، وتحدث عن "غزوها الجديد على الجنوب أرضاً وإنساناً"، مطالباً بالحشد على الجبهات، لتأكيد أن "الجنوب عصيٌ على الانكسار".
هذه المقدمة الرنانة تصبح مفهومة، بما أنها ضرورية لما أعلنه من قرارات، بما في ذلك فرض "حالة الطوارئ على امتداد كل محافظات الجنوب"، والطلب من القوات الأمنية "الضرب بيدٍ من حديد على كل من تسوّل له نفسه زعزعة الأمن والاستقرار، وإثارة البلبلة والقلاقل"، قبل أن يستدرك مطالباً بــ"حشد الجهود اللازمة لتأمين الخدمات العامة لحياة المواطنين". مع العلم أنه، قبل هذا الخطاب بساعات، كان يتحدّث أمام اجتماع للقادة العسكريين والأمنيين عن فعاليات ومسيرات جماهيرية "رافضة لسياسة الحصار الاقتصادي وحرب الخدمات". لكنه عندما استشعر خطر اتساع الاحتجاجات، لم يحتج إلى وقت، حتى يبدّل خطابه، ومستتبعاً أي اعتراض بتهمة الحوثية والأخونة والإرهاب.
مشكلة الزبيدي ومن معه، ممن يتخيلون أنهم يديرون "دولة"، على الرغم من مشاركتهم في حكومة الشرعية، أنهم لا يريدون الاعتراف بحقيقة الوقائع على الأرض، وأن الاحتجاجات يحرّكها جوعى ومعدومون يبحثون يومياً عما يسدّون به رمق عائلاتهم، لا يهمهم لا "الانتقالي" ولا الحكومة ولا الحوثي ولا أي طرف آخر. لا يزال الزبيدي يعتقد أن خطاب الشيطنة واللعب على وتر المناطقية سيُجدي نفعاً، متناسياً أنه ليس الوحيد الذي يلعب على أرض جنوب اليمن، وأن جميع محاولاته لاحتكار تمثيل الجنوبيين قد فشلت. وهو إن كان يستطيع، بالتعاون مع الراعي الإقليمي له، منع الحكومة من العودة، وجعلها بشكلٍ دائم شمّاعة يعلّق عليها جميع أنواع الفشل في إدارة المناطق الخاضعة لهيمنته، خصوصاً عدن، لكنه عاجز عن أن يسكت جميع الأصوات الجنوبية، وبعضها ينتظره عند كل مفترق للتصدّي لأكاذيبه.
على مدى السنوات الأربع الماضية التي تلت إشهار المجلس الانتقالي الجنوبي في 2017، لم يتغير أي شيء بالنسبة للجنوبيين، بل ازدادت أوضاعهم تردياً. يمكن القول، من دون مبالغة، إنهم أصبحوا رهائن للصراع القائم بين الزبيدي (ومعسكره) والشرعية. يسجّل كل منهما نقاطاً على الآخر كلما سنحت لأحدهما الفرصة. يتقاذفان مسؤولية التعطيل والأوضاع التي تزداد سوءاً، ولا يجدان من يحاسبهما على الفساد والإهمال الذي يغرقان فيه. وعندما يعلو صوت احتجاجي، يتم إغفال المطالب المحقّة المرفوعة، وتكون التهم حاضرة.