معركة الانتخابات المبكرة في تونس
الحراك الجديد الذي تشهده تونس، وكانت بدايته يوم الأحد الماضي، قدّم خريطة طريق تقوم على إعادة البرلمان الذي علّق أعماله الرئيس قيس سعيّد في فرمانه الذي أصدره يوم 25 يوليو/ تموز الماضي، وبات عديدون من أعضائه، بعد رفع الحصانة عنهم، موزّعين بين السجن والإقامة في الخارج أو في حالة فرار. وهذا مقصود، كي تصبح عودة المجلس مستحيلة، ما يفسح للرئيس الطريق للبدء في مخططه، الذي يقوم على إلغاء التجربة الديمقراطية التي بدأت بعد سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، والبدء من الصفر، وهو يستعدّ لطرح عدة مراسيم جمهورية أمام استفتاء عام، وفق المادة الثالثة من الدستور، يريد منها مركزة السلطات كافة بيد رئيس الدولة، عن طريق إلغاء النظام المشترك البرلماني الرئاسي، وإقامة نظام رئاسي، يتحوّل بموجبه رئيس الحكومة إلى وزير أول بصلاحيات تنفيذية فقط. وتعدّ المبادرة التي قدّمها "مواطنون ضد الانقلاب"، خلال تظاهرة الأحد الماضي، الأولى منذ بدء الإجراءات الاستثنائية، وهي مهمة جداً، لأنها طرحت اقتراحاً واضحاً يقوم على خريطة طريق تدعو إلى عودة مجلس النواب المنتخب ليتولّى فورا تعديل نظامه الداخلي، بما يضمن استحداث محكمةٍ دستورية، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني حائزة على شرعية قانونية ودستورية، من أجل إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكّرة في النصف الثاني من العام المقبل، 2022.
مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" نموذج جديد للاحتجاج السلمي في تونس، تسير تدريجياً نحو الاعتصام المدني المفتوح، لأن معركة العودة إلى الشرعية الدستورية طويلة الأمد، كما يقول الذين يقفون وراء إطلاق هذا الحراك، الذي يمكن البناء عليه من خلال تطوير الإنجاز الذي حققته شخصياتٌ سياسيةٌ واجتماعيةٌ واقتصادية، وآلاف من المواطنين من حساسيات وتيارات مختلفة، بالنزول إلى الشارع من أجل كسر جدار الخوف، وللمطالبة بإعادة المسارين الدستوري والديمقراطي. وعلى الرغم من عملية العسكرة التي شهدتها منطقة باردو، مقر البرلمان، والحواجز الكثيرة التي وضعت في الطرقات، استطاع الحراك أن ينجح في التعبئة السياسية ضد الإجراءات الاستثنائية وغير الدستورية، ويوصل رسالته على أساس أن لا حل سياسيا خارج الدستور والديمقراطية، وهو ما أسقط ادّعاء سعيّد أن هناك شعبا واحدا في تونس هو الذي يؤيده.
وضع سعيّد غير جيد في جميع الأحوال. بدلا من أن يكسب مزيدا من المؤيدين يخسر من أنصاره الذين هبّوا لتأييد إجراءاته حين صدورها، مثال ذلك "حزب الشعب" الذي انقسم حول تأييده. ويتبين مع مرور الوقت أن هذا الرجل يفتقر إلى خطة عمل متكاملة الأركان يستطيع القيام بها، وكل ما يصدر عنه خطابات شعبوية لا تقدم حلولا للمشكلات الآخذة في التفاقم، وكلما تأخر في تنفيذ وعوده السياسية اتسعت قاعدة المعارضة ضده، وزادت من تنظيم نفسها، ومن ذلك مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" التي حظيت بشعبية داخلية وتفهم دولي، ما يشكّل ورقة ضغط كبيرة على سعيّد الذي لا يلقى تأييداً من واشنطن وغالبية العواصم الأوروبية التي تطالبه بالعودة إلى المسار الدستوري وتفعيل الديمقراطية خيارا استراتيجيا للتونسيين. وبالتالي، سوف يصبح الرئيس في ورطة إذا لم يتراجع ويترك البرلمان الحالي يكمل دورته رغم الاعتراضات، ويمكن أن يجد لنفسه مخرجاً بعودة مؤقتة، بهدف تعديل الدستور لإجراء انتخابات مبكّرة، والتي تعتبر الفرصة المناسبة للحل. وفي وسعه الاعتماد على الاتحاد التونسي للشغل الذي تبنى هذا الخيار بعد تظاهرة الأحد. ويستطيع الاتحاد أن يلعب دوراً في ظلّ إبعاد سعيّد كلّ الأحزاب، شبيهاً بما قام به عام 2013 أيام حكومة الترويكا، والإتيان بشخصية تكنوقراط، مثل رئيس الوزراء الأسبق مهدي جمعة.