معارضون للنظام أم لطنطاوي؟
لا أحد يعتقد في إمكانية إقدام نظامٍ سياسيٍّ يحتقر الديمقراطية، ويعتبر التغيير أخطر على الأوطان من الكوارث الطبيعية، على إجراء انتخاباتٍ تنافسيةٍ حقيقيةٍ تسمح بتداولٍ وانتقالٍ هادئين للسلطة. ولا جديد في القول إنّ طبيعة المناخ المعادي للسياسة لا تجعل ثمّة تفاؤل بجدوى انتخابات رئاسية أو صدقيّتها، يمكن أن ينتج عنها تغيير في بنية السلطة ومبناها. غير أنّ ذلك كله لا ينفي أنّ هناك حالة حيوية سياسية يصنعها السياسي الشاب، أحمد طنطاوي، بإعلان نفسِه مرشّحا محتملًا لتلك التي تسمّى انتخابات، وهذا بحدّ ذاته مكسب هائل، كونه يبعث السياسة من مرقدها، بعد وأدها ودفنها مرّاتٍ عديدةٍ في السنوات العشر الماضية، بدءًا من اعتصام رابعة العدوية 2013، مرورًا بتظاهرات تيران وصنافير، ثم أخيرًا حراك سبتمبر/ أيلول 2019 مع ظهور المقاول الممثل محمد علي.
بهذا المفهوم، كان حريًا بمن تسمّي نفسها قوى المعارضة أن تحتضن مشروع أحمد طنطاوي، ليس بوصفه رئيسًا محتملًا، وإنّما باعتباره قيادة حقيقية، يمكن أن تجدّد شباب المعارضة، وتُعيد تجسير الهوة بين الجماهير المحبطة والسياسة. غير أنّ عكس ذلك ما حصل، إذ أبدت بعض المعارضة الهرمة اشمئناطًا، من اتساع رقعة الحاضنة الشعبية للخطاب السياسي الجادّ والمحكم، والذي يلامس أحلام وأوجاع قطاع كبير من الجماهير، الذي يطرحه النائب السابق. فيما لم يتورّع فريق آخر من هذه المعارضة، أو المعارضات، الداجنة، عن أداء وظيفة قاطع الطريق على تنامي وتمدّد الحالة التي يمثلها طنطاوي، وفي ذلك لا معنى لإعلان رئيسة حزب الدستور، جميلة إسماعيل، ورئيس الحزب المصري الديمقراطي، فريد زهران، الترّشح سوى أنّها رغبة في إفساد حالة التفافٍ شعبيٍّ لافتة حول السياسي الشاب، أحمد طنطاوي، بقصد إعطاب فكرة وجود مرشّح واحد لما تسمّي نفسها قوى المعارضة.
ومع كامل الاحترام لحق أيّ مواطن في أن يرى نفسه جديرًا بالمقعد الرئاسي، إلا أنّ هذه الخطوة من قادة أحزاب سياسية تمرح في الفناء الخلفي للنظام، تبقى من أشكال ابتذال فكرة وجود منافس حقيقي يحظى بشعبيةٍ متصاعدةٍ، بحيث لا يكون هناك مرشّح واحد تلتفّ حوله كلّ تيارات المعارضة (الجادّة والفعلية)، فتمتلئ الحلبة بعبواتٍ صغيرة متناثرة لمرشّحات ومرشحين كلّ منهم يسمّي نفسه مرشّح المعارضة.
وكأنّ المشهد كان ينقصه ابتذال، حتى يحضر كلّ هؤلاء لاعتلاء خشبة مسرحٍ هابط، فتكون المحصلة أنّهم معارضون لمشروع أحمد طنطاوي أكثر من كونهم معارضين للنظام، إذ يبدو أنّ مشكلة هؤلاء وأولئك مع أحمد طنطاوي أنّه مشروع قائد لمعارضة جديدة شابّة، تكسر النمط التقليدي لذلك الشيخ العجوز الملهم الذي ينطق بالحكمة طوال الوقت، ويمارس شيئًا من الكهانة السياسية البليغة التي لا تصمُد أمام أيّ اختبار عملي، كما في حالة محمد البرادعي، أكثر من خذل مبدأ الانتخابات، حين كانت مصر كلها تناديه في أوّل وآخر انتخابات حقيقية وسليمة في 2012، وقتما كان يحظى بالفرصة الأكبر للفوز في ظلّ شعبيّته الكاسحة بعد ثورة يناير (2011)، لكنه أدار ظهره للجميع، معلنًا انسحابه في لحظة فارقة، ثمّ فيما بعد اشتغل بكلّ همّةٍ ونشاط في إحراق مخرجات هذه الانتخابات التي فاجأت الجميع في إجراءاتها ونتائجها.
نعم، البيئة لا تصلح لانتخابات حقيقية، لكنّها، في الوقت ذاته، يمكن أن توّفر مساحة هائلة للوصول إلى الناس بخطابٍ سياسيٍّ محترم، من خلال مشروع مرشّح افتراضي تمكّن من امتلاك لغة وأدوات يتفاعل معها الناس، ويستردّون بها القدرة على الحلم، حتى لو كانت البنية التشريعية والسياسية المهترئة منذ عقود طويلة تقول إنّ الوقت مبكّر جدًا على لحظة العودة إلى صندوق الانتخاب طريقًا للتغيير، تلك اللحظة التي ومضت في العام 2012، ثمّ جرت عملية إخمادها وقتلها سريعًا جدًا.
صحيحٌ، لا انتخابات سليمة متوّقعة، ولا فرصة معتبرة لهذا الشاب لاجتراح معجزة، لكن المؤكد أنّ ما يقدّمه من خطاب وأداء يجعله بعيدًا عن نموذج الكومبارس. وفي حال تبيّن أنّه كان يؤدّي هذه الوظيفة، فمن حقك حينها أن تلعنه، كما لعن كلّ من لعبوا هذا الدور الرخيص.