مصير قاتم للاجئين الأفغان
تبقى تفاصيل المشهد الأفغاني السياسي والأمني والاقتصادي بعد إتمام الانسحاب الأميركي غامضة، ولو جزئياً، بانتظار إفصاح حركة طالبان عن كامل استراتيجيتها لإدارة البلاد، وكيفية التعاطي مع الأزمات المستجدة. وحدها أزمة اللجوء تبدو الحركة أقلّ المعنيين بها.
هاجس الخوف من العيش تحت حكم الحركة دفع، منذ لحظة بدء الانسحاب، مئات آلاف الأفغان للبحث عن فرصة للمغادرة. كان بعضهم من المحظوظين ممن شملتهم قوائم الإجلاء، سواء الأميركية أو باقي دول حلف شمال الأطلسي. تمكّنت هذه الدول من إجلاء عشرات الآلاف، في غياب أي أرقام دقيقة إلى الآن. لكن الأكيد أن أعداد من تُركوا لمصيرهم أكبر من الذين حظوا بفرصة للرحيل. ومهما حاول الرئيس الأميركي، جو بايدن، تجميل الإجلاء الكارثي، ووصفه بالتاريخي والناجح، فإن ذلك لن يغير من حقيقة الوقائع على الأرض.
تتحدّث تقديرات الأمم المتحدة عن أزمة لجوء تناهز نصف مليون شخص في أقل التقديرات. وينقسم هؤلاء بطبيعة الحال إلى فئات عدة. جزء منهم ممن عملوا في مجالاتٍ شتى مع أميركا و"الأطلسي"، ويخشون من مرحلة انتقام يرونها آتيةً لا محالة، مهما تعدّدت تطمينات "طالبان". أما الجزء الثاني فهم ممن يرون المستقبل قاتما، وما دامت هناك فرصة متاحة للخروج من هذا البلد فلا بد من محاولة الاستفادة منها.
حتى اللحظة، لا تبدي الحركة ممانعة في السماح باستمرار الجسر الجوي، ولو جزئياً، بعد ضمان تشغيل المطار بشروطها، لا بشروط الدول المفاوضة، فهي عملياً تكون قد تخلصت ممن لا يرغبون بحكمها. كذلك يجري الحديث عن ممرّات آمنة برّية، مع دول الجوار الأفغاني، من دون أن تكون الصورة واضحةً بشأن من يتولى التفاوض على هذه الممرّات.
الأهم في ذلك كله مصير الأفغان الذين سيجتازون الحدود. هؤلاء بحسابات الغرب سوف يشكّلون "أزمة لجوء" جديدة غير مرغوبة، تضاف إلى ما شهده العالم على مدى السنوات الماضية، سواء بسبب حرب العراق، أو الحرب السورية، أو حتى الهجرات غير النظامية.
تشي المؤشرات المتوفرة بحجم المصاعب التي سيواجهها اللاجئون الجدد. كانت أميركا صريحة في أنها لن تعيد توطين جلّ الذين أجلتهم على أراضيها. ما قالته المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي كان واضحاً في دلالاته. تحدّثت عن إتاحة طاقة استيعابية لاستضافة ما يصل إلى 50 ألف لاجئ أفغاني في قواعد عسكرية، وأن هذه المنشآت لن تستضيف لاجئين بشكل دائم، لكنها ستقدّم رعاية طبية ومساعدة، وتكون حلقة وصل بين اللاجئين ومنظماتٍ ستعكف على إعادة توطينهم.
وهو ما يحيل إلى أسئلة حتمية أخرى: ماذا سيحل بهؤلاء وكيف وأين سيعاد توطينهم؟ أبدت بعض الدول، مثل كندا، ودول عربية حليفة للولايات المتحدة، استعدادها لاستضافة عشرات الآلاف، وبدأت بذلك، لكن دولا أخرى كانت واضحة في رفضها. جنوب أفريقيا قالت إنها ليست "في وضع يسمح" لها بتلبية طلب استيعاب لاجئين أفغان ولو مؤقتاً. دول الاتحاد الأوروبي تستحضر مفرداتٍ جديدة لقول إنها لا تريد للجزء الأكبر من المهاجرين الأفغان أن يطأوا أراضيها. يمكن تسميتها "استراتيجية التحاشي". أما تحقيق ذلك فيشمل، على حد قول المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية، يلفا يوهانسون، "التعهد بدعم الدول المجاورة لأفغانستان في حال استضافتها لاجئين"، أي الأموال مقابل الإيواء، وهو أكثر ما يجيده الاتحاد بعد الأزمة السورية، على غرار ما جرى من اتفاق مع تركيا وتفاهمات مع لبنان والأردن. أما وزير الداخلية الألماني، هورست زيهوفر، الذي تستعد بلاده لانتخاباتٍ لم تكن أزمة اللجوء بعيدة عن عناوينها السجالية، فتحدّث عن ضرورة التحرّك "على نطاق عالمي لإبقاء الأشخاص قريبين من ديارهم وثقافتهم"، باعتبار أن "الأشخاص الأكثر عرضة للخطر" فقط سيتمكّنون من المجيء إلى الاتحاد الأوروبي. ما لم يقله الأميركيون والأوروبيون عملياً أن جزءاً كبيراً من المهاجرين الأفغان سيجدون أنفسهم في مخيمات نزوحٍ أقرب إلى معسكرات اعتقالٍ في القريب العاجل.