مصر .. مسرحية على "خشبة" السجن
تحمل الصورة التي انتشرت، قبل أيام، للأستاذة الجامعية المصرية، ليلى سويف، تجلس على أحد الأرصفة، كل معاني القهر والإصرار في آن معاً. صحيحٌ أنها ليست الأولى لها على مرّ السنوات الماضية، لكنها تبدو تذكيرا بما تواجهه. تتصدّى سويف بصلابة للمصائب التي تنهال عليها جرّاء وجود نجلها علاء عبد الفتاح وابنتها سناء سيف في السجن. تتصدّر خوض المعارك من أجلهما بلا كلل. تكاد حياتها تتوزّع بين السجون والنيابات العامة في القاهرة، والوقت الذي تقضيه على الأرصفة المحيطة بهما يفوق أي شيء آخر في حياتها.
ليس مبالغة القول إن هذه العائلة منكوبة. لا تكاد تلتقط أنفاسها، حتى تعاجلها السلطات بضربةٍ جديدة. لكنها ترفض الاستسلام. لم تنشُد أيا من هذه المعارك، لكن السلطات اختارتها لها، فما الذي يمكن انتظاره؟ أن تقف العائلة، أو بالأحرى ما تبقى منها خارج السجن (ليلى وابنتها منى) مكتوفة الأيدي تتفرّج على مصير اثنين منها يتم الانتقام منهم؟
علّقت ليلى سويف على ما يجري معها من حوالي أسبوعين، عبر حرمانها من استلام الجواب المعتاد من نجلها علاء بالقول: ".. أعصابي اتعلّمت من زمان قوي أحطّها في تلاجة، عندي خبرة 45 سنة من التعامل مع ناس تحاول تتخلص من الواحد بأنها تزهقه". هي إشارة واضحة إلى أنها لن تتوقّف مهما تعرّضت له.
كل ما تطلبه الأسرة نقل علاء من سجن طرة والسماح له بالتريض والقراءة وخروج الرسائل في موعدها إلى أهله، قبل أن تضطر أخيراً إلى إضافة طلبٍ آخر، السماح بحصوله على استشارة نفسية، خصوصاً بعدما تأزم وضعه، تزامناً مع انقضاء عامين على حبسه احتياطياً عقب القبض عليه مجدّداً، بينما كان يخضع لإطلاق سراح مشروط مقرون بمراقبة تتضمّن أن يقضي ليلته في السجن.
ما يتعرّض له علاء ليس استثناءً في السجون المصرية، فما يجري مع عبد المنعم أبو الفتوح لا يقل سوءاً، وهناك آلاف الحالات المماثلة والتي لا تصل إلى الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. يعاني الأهالي بصمت، وربما من دون مساندة. لا أحد يسمع عن أبنائهم أو يطالب بالعدالة لهم. وتضاف إلى ذلك قضية المخفيين قسراً ممن اختفوا ولا تعرف عائلاتهم مصيرهم، هل هم أحياء، وأين، أم قضوا قتلاً تحت التعذيب أو بسبب الإهمال الطبي .. ولا مؤشّرات إلى أن هذه المعاناة قد تنتهي قريباً، على الرغم من ضجيج المبادرات والاستراتيجية الخاصة بحقوق الإنسان.
"أكبر مجمع سجون" الذي تنوي السلطات المصرية افتتاحه قريباً، وتساوم المساجين بـ"العفو" عنهم مقابل ما سيتحدّثون به أمام الرئيس بشأن أحوال السجون، دالٌّ على نمط تفكير هذا النظام والفقاعة التي يعيش داخلها.
لا يمل هذا النظام من استحضار مشاهد من فيلم "البريء". لا تزال الصورة التي وزّعت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، عقب الزيارة التي نظمتها الهيئة العامة للاستعلامات إلى سجن طرة حاضرة في الأذهان أكثر من غيرها، بعدما فاق زيفها أي قدرة على تصديقها. واليوم تريد السلطات تكرار المشهد، ليس من خلال حفلات الشواء وقاعات التريض والتسلية والطبابة التي تنافس فنادق ومستشفيات الخمسة نجوم، وليس أمام جمهور خارجي، بل أمام الرئيس ووزير الداخلية.
ما الذي يستفيده النظام من ممارساتٍ كهذه؟ هل المسؤولون بهذه السذاجة للاعتقاد أن هناك من يصدّق أن السجون المصرية واحة للحرية، وأن المساجين يحصلون على كامل حقوقهم؟ هذه الصور المصطنعة يبدو أنها مصمّمة ليس لإيهام أحد، بل لإتمام مشهد جديد من المسرحية على خشبة السجن هذه المرّة.