مشاريع "خضراء" في المغرب
تعني كلمة "أخضر" في الاستعمال الدارج عند المغاربة ذلك الشخص الذي لا يعي عواقب فعله، ولا يدرك كيف تُنجز الأمور وما تستحقّه من عناية، وتعني أيضا الذي لا يرى في سلوكياته غير مصلحته الشخصية وبطرق فجّة لا علاقة لها بالأدب والتحضّر. تنطبق هذه النعوت كلها حرفيا على كل المشاريع التي التصقت بشخص رئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي ما من مشروع يقترحه إلا ويضع له تسمية "الأخضر"، فمنذ كان وزيرا فوق العادة لوزارة الفلاحة والصيد البحري من 2007 إلى 2021، قام بتفعيل ما سماه "مخطّط المغرب الأخضر" والذي أعطيت انطلاقته في 2008، وقدّم بعد ذلك الاستراتيجية الجديدة للقطاع الفلاحي "الجيل الأخضر 2020-2030". وجديد حلقات هذا الاخضرار أخيرا معرض الملتقى الدولي للفلاحة الذي أقيم في مكناس (2 - 7 مايو/ أيار)، عنوانه هو الآخر "الجيل الأخضر"، لكن خضرته المعروضة هذه المرّة جاءت محملة بسؤال قلق وكئيب جدا هو "السيادة الغذائية والاستدامة!".
في تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول الوضعية المائية في المغرب، والذي سبق أن نشر عنه صاحب هذه السطور في "العربي الجديد" مقالة "حالة طوارئ مائية في المغرب" (28/2/ 2023)، كان وقع التحذير قد بلغ مداه، بل يمكن القول إنه جاء متأخّرا، في لحظة ليس لنا أن نقول عنها إلا أنها تؤرّخ لجناية ارتُكبت تجاه مستقبل المغاربة القريب والبعيد، بدأت أطوار قصتها في محاربة الاخضرار المتبقي سنة 2007، أي مع حكومة عبد الإله بنكيران. لهذا، كل ما قد تسمّيه هذه الحكومة الحالية بالأخضر، وعلى رأسها رئيسها أخنوش، صرنا نستوعبه؛ بأنها تعني به سلوكا "أخضر" بالمعنى الدارج الذي سبق شرحُه، ومحاربة ما يعنيه الاخضرار بالمعنى الفصيح من نماء وازدهار وتطوّر.
تعميق جرح الفوارق الاجتماعية بين المغاربة وتدمير الطبقة المتوسطة
عنوان هذه الفترة من سياسة المغرب الفلاحية استنزاف ما بقي من موارد المغرب المائية بشكل يدفع إلى الاستغراب، وحسب ما جاء في دراسة لمركز "أطلس العالمي للماء" نشر موقع هسبريس الإخباري (23/5/ 2023) بعضا من تفاصيلها، فقد جرى تصنيف المغرب ضمن الدول الأشدّ فقرا مائيا في أفريقيا، وواحدة من الدول التي تم وصف وضعها المائي بحالة العجز المطلق، بل والمضحك المبكي في آن، كيف عاتب التقرير المغرب على عدم اتّباع تقاليد المغاربة المتوارثة في التعامل مع ندرة الثروة المائية!
أمام كل هذه الأرقام والتقارير والتصنيفات، ليس للمغربي، في نهاية المطاف، إلا التساؤل: هل هنالك بالفعل مؤسّسات تراقب برامج هذه الوزارة وكل ما يصدُر عنها؟ والأشد غرابة أن هذا السلوك "الأخضر" لم يكن محصورا على الجانب الفلاحي فحسب، وليته كان كذلك! بل سياسة محاربة الاخضرار طاولت قطاعاتٍ حسّاسة أخرى في البلاد، كالمحروقات. وأوغلت أيضا في تعميق جرح الفوارق الاجتماعية بين المغاربة، وبشكل لافت هذه المرّة، وزادت من تدمير فئة مجتمعية هامة نسمّيها الطبقة المتوسطة. أما الفئات الفقيرة فلعل تقرير المندوبية السامية للتخطيط كان واضحا في ازدياد ما يقارب 3.2 ملايين شخص إلى القائمة، وفقد المغرب ما يقارب السبع سنوات من التقدّم المحرز في مجال القضاء على الفقر والهشاشة (لتفاصيل أكثر يمكن مطالعة مقالة: "فقراء جدُد يوسّعون خريطة الفوارق الاجتماعية في المغرب"، ("العربي الجديد"، 22/5/2023).
سياسة محاربة الاخضرار طاولت قطاعاتٍ حسّاسة في المغرب
خرج الجميع اليوم ليعلّق كل هذا العبث بمستقبل المغاربة على شمّاعة شخص رئيس الحكومة الحالية، الذي من دون شك يتحمّل المسؤولية الكبرى في جزء كبير من ذلك، ولكن الأسئلة الأكبر: لماذا لم تُتخذ تدابير استباقية تحدّ من استفحال الأزمة؟ وأين هي بقية مؤسسات الدولة التي كان ينبغي لها القيام بدورها آنذاك؟ لماذا لم نسمع حينها على غرار ما حصل اليوم خروجا لمؤسسة بنك المغرب في شخص والي البنك عبد اللطيف الجواهري، أو مؤسّسة المندوبية السامية للتخطيط في شخص مندوبها أحمد الحليمي؟ ولماذا لم يحصل تدافع إيجابي بين المؤسّسات الدستورية في البلاد قصد ترشيد القرار السياسي وعدم الاستفراد به؟
وإذا كان العمل الحكومي ينبغي أن تحاسب عليه الحكومات المنتخبة، فما هي المسؤولية الفعلية لحكومة بنكيران؟ وبعدها حكومة سعد الدين العثماني كذلك؟ ثم يأتي الدور على الحكومة الحالية؟ ولا نريد أن نقحم الأحزاب السياسية في الأمر، فليس يوم حليمة بسرّ، والجميع يعرف الوضع البائس لكل هذه الأحزاب، معارضة وأغلبية.
أمام كل هذا المزاج السياسي القلق الذي أوجدته هذه السلوكيات السياسية الرعناء، تزيدنا الحكومة اليوم من الشعر أبياتا، فقد أصدرت الجريدة المغربية حديثة العهد "الصحيفة" تقريرا خاصا (عدد 3، مايو/ أيار 2023)، يكشف تفاصيل صفقة بـ 1.5 مليار دولار، يحضر فيها عزيز أخنوش لاعبا وحكما في الآن نفسه. وعلى طريقته منذ بداية ولايته في كل ما يتعلق بالمحروقات، وفي علاقة بكل ما هو مربح، فالصفقة متعلقة هذه المرّة بمشروع تحلية مياه البحر في الدار البيضاء عبر شركته أفريقيا غاز. فهل هنالك فجاجة تفوق هذه؟ وهل هنالك استخفاف بالمغاربة وحقوقهم ومستقبلهم أكبر من هذا؟