مداخلة مع عماد الدين أديب

30 اغسطس 2022
+ الخط -

لا يكتب الإعلامي المصري، عماد الدين أديب، مقالات رأي، إنما خواطر في أوقات الفراغ أو رسائل سياسية، من النظام المصري إلى الخليج والعكس، في أوقات الأزمات. لسببٍ ما، رأى النظامان السعودي والمصري أنّ آل أديب، عماد وعمرو تحديدا، ساعيان جديران بالثقة. من هنا أهمية ما يكتبه أديب الكبير، والذي يبدو لي أن أحد أهم مصادر ثقافته هي كتب أديب الشباب محمود عفيفي، التي قرأ عنها، ولم يقرأها، كل من مشى في شوارع مصر في تسعينيات القرن الماضي.
كتب عماد الدين أديب في الآونة الأخيرة ثلاث رسائل متتالية. الأولى من النظام المصري إلى من يهمه الأمر في الخليج، خلاصتها "عايزين فلوس"، وإلا سنصدّر إرهابيين ولاجئين وفوضى. ثم جاء أديب بالرد الخليجي في رسالةٍ خلاصتها أن الحاكم وفريقه وأسلوب إدارته هم سبب الخراب أو السقوط المحتمل، (في أي بلد عربي). وأخيرا، كتب أديب رسالة اعتذارية عن المقال الثاني، تؤكد أن الرئيس عبد الفتاح السيسي تحديدا هايل وعظيم، والمشكلة في من حوله، في رجاله، وحكومته، وحلفائه، وأعدائه، والجميع. وكشف الأستاذ عماد عن معرفته بالتقارير الأمنية المخابراتية المحلية والإقليمية والدولية، وقدرته على اختراق أجهزة مخابرات قطر وتركيا والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين والاتحاد الأوروبي وأميركا، فهو يعرف كل ما يوضع على مكاتبهم من تقارير. كما يعرف، على وجه اليقين، كل ما يخطّطون له من مؤامرات، وفي مقاله، بعون الله، يكشفها ويفضحها ويعرّيها.
يرى أديب أن لدى قطر وتركيا وأميركا… إلى آخر خيوط المؤامرة الكونية على مصر "مشاعر" ثأر من نظام السيسي، لأنه نفذ انقلاب يوليو 2013، من دون أن يخبرهم أو ينسّق معهم. ويرى أن "الإخوان" لن ينسوا أن السيسي وجّه لهم أكبر ضربة منذ عام 1929، (تأسّست جماعة الإخوان المسلمين عام 1928). ويتفاخر بالضربة التي وجهها السيسي لمؤسّسات المجتمع المدني في مصر، ثم يحذر من  "الخطّة الشرّيرة" (ليست عنوان رواية في سلسلة الشياطين الـ13) التي يعدّها العالم كله تقريبا لضرب عمود الخيمة في مصر، ليس الجيش كما نتصوّر، إنما السيسي نفسه، حكم السيسي، وجود السيسي، العمود السيسي والخيمة السيسي والشرطة والجيش والشعب السيسي. والأشرار سوف يستغلون الفشل الاقتصادي الذريع لتحميل السيسي المسؤولية، والسيسي بريء (طفل بريء مثل علي الشريف في "كراكون في الشارع") غير مسؤول، لا علاقة له بأي أزمة، أو فشل، ولا يعني أنه أكبر مسؤول أنه مسؤول، كورونا المسؤول، الحرب الروسية الأوكرانية، المؤامرات، الإخوان، بطبيعة الحال، وبالمرّة الحكومة التي تتعب وتشقى وتكدّ وتصل الليل بالنهار، مثل المدير الفني للمنتخب، لكن حجم التحدّيات أكبر منها ويجب استبدالها، ليس لأنّها مسؤولة، لا سمح الله، بل لأنّها حكومة أزمة، ونحن الآن أمام سوبر أزمة، ونريد سوبر حكومة (هكذا يقول عماد الدين أديب، والله العظيم).
هل يحتاج كلام أديب إلى مناقشة أو رد؟ لا طبعاً. الكلام يردّ على نفسه، ويدلّ إلى صاحبه. ومع ذلك صادفت جملة صحيحة، يتيمة، في رسالة أديب الأخيرة، أنّ قوى خارجية لا تريد مصر القوية، وفي الوقت نفسه، لا تريد مصر المنهارة، فهي لا تتحمّل تكلفتي القوة أو الانهيار، إنما تريد مصر المقيّدة، مسلوبة الإرادة. وهذا كلام صحيح تدل إليه شواهد كثيرة، أهمها أن هذه القوى، تحديدا، دعمت السيسي، ومن قبله حسني مبارك، واشتغلت، بعنف، ضد ثورة يناير منذ اللحظة الأولى، وأنفقت مئات الملايين في مصر لدعم مرشّحي رئاسة وحركات سياسية ونوافذ صحافية وإعلامية وشراء أصحاب مناصب ونفوذ للوصول إلى ما قبل "25 يناير". وما يحدث الآن في التباطؤ في "الدفع" له دلالات كثيرة، تتلاقى، جميعها، عند  "تقييد" مصر، واستمرارها حيّة "لا ترزق"، والحلّ ليس مدّ اليد بالطلب المهين، إنما التوقف عن الإدارة بغير السياسة، (والتفاخر بذلك!) فلا سياسة بلا سياسيين. الحلّ في تحرير عقول البلد وطاقاته من المعتقلات والمنافي، وإشراكها. الحل هنا، وليس في السعودية والإمارات.