محمد الشارخ على شاشة "العربي"
جاءت مفاجأةً طيبةً، وبادرةً مقدّرة، من برنامج "خليج العرب" في تلفزيون العربي، استضافتُه، الأسبوع الماضي، رجل الأعمال الكويتي الرائد، رئيس مجلس إدارة شركة صخر لبرامج الحاسوب، محمد الشارخ (1942)، والذي يواصل بهمّةٍ ومثابرةٍ مشهودتيْن جهودا استثنائية، وطموحة، ومغامرة ربما، في خدمة اللغة العربية، واستثمار الممكنات الحاسوبية الهائلة في ذلك، صدورا عن رؤيةٍ حضاريةٍ وثقافيةٍ لدى خرّيج التنمية الاقتصادية من الولايات المتحدة، والذي عمل، في شطرٍ من شبابه، نائبا لمدير البنك الدولي لإعادة البناء والتنمية في واشنطن، فتسلّح مبكّرا بمعرفة العالم، وأطلّ على الحداثة التقنية والإدارية فيه. وبعد خبرةٍ قياديةٍ حازها في رئاسته مجلس إدارة البنك الصناعي الكويتي، انعطف إلى العمل الحر، فكانت في العام 1980 مجموعة شركات "العالمية" المتخصّصة في الإلكترونيات، والتي انطلقت منها في 1982 شركة صخر لبرامج الحاسوب، واختار لها هذا الاسم استئناسا بأن "العلم في الصغر كالنقش في الحجر"، وأنتجت برامج وتطبيقاتٍ حاسوبيةً عديدة. وبالتعاون مع شركة يابانية، وبجهودٍ وكفاءاتٍ عربية، أنتجت "كمبيوتر صخر". وأصبحت الشركة الأشهر في إنتاج التقنيات والبرامج الخاصة باللغة العربية، وفي تطوير المنتجات بالعربية.
ومن جديدٍ كثيرٍ لها، طرحت الشركة الرائدة، الطموحة، أخيرا، برنامجي "المدقّق الآلي"، وهما، على ما تقول، "يساعدان كل من يستخدم اللغة العربية، طالبا أو أديبا أو صحافيا أو إعلاميا، على تصحيح مادّته بتدقيقٍ لغويٍّ ونحويٍّ بلمسة زرّ". وقد لفت محمد الشارخ، في مقابلة تلفزيون العربي معه، إلى أن دقّة النحو في هذا البرنامج تصل إلى أكثر من 85%. وقال إن معنى هذا "أننا تمكّنا من استخدام أكثر من 500 قاعدة لغوية في النحو". ووصف العمل على البرنامج بالتحدّي، موضحا أنه لن يكون آخر التحدّيات له. وقال إن الطموح أن تكون دقّة النحو في النسخة المقبلة من التصحيح الآلي أعلى من 90%. ولا يُنسى، قبل هذا وغيره، إطلاق شركة صخر برامج "ترجم" من العربية وإليها، وترجمة الخاطب الآلي، والقارئ الآلي، وإبصار للمكفوفين وضعاف البصر، والبوابة التعليمية، وبرامج وتطبيقاتٍ ومعالجاتٍ أخرى، تراكمت إنجازاتٍ نافست، وأوجدت لنفسها حضورا ناجحا، غير أننا طالعنا، من دون دراية صاحب هذه السطور بالتفاصيل، إن شركة مايكروسوفت استغلّت ظروف اجتياح الكويت وما بعده، والتي كان لها أثرٌ صعبٌ جدا على "صخر"، فاستقدمت عقليْن عربيين بارزيْن، بإغراءاتٍ كبيرة، ليكونا وراء "تعريب" برامجها، ما اضطرّ محمد الشارخ إلى مواجهة بيل غيتس في المحاكم. غير أن الرجل لم يُحبَط من هذا، بل ثابر على مبادراتٍ ثقافيةٍ كبرى، ليست مربحة، وكلفتها عالية، من ذلك تدشينه مشروع أرشفة المجلات الثقافية والأدبية العربية إلكترونيا منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى 2010 (أكثر من مليون صفحة). كما مشروع المعجم العربي الحديث، والقناعة لدى الرجل إن العربية وحدَها من بين اللغات الحية لا معجم حديثا لها للمتعلمّين.
جاءت أسئلة الزميل داهم القحطاني لضيفه محمد الشارخ في "خليج العرب" على بعض هذا الكثير، وأجاب بما سنح له الوقت، وبدا في تواضعٍ كثير، ومقيما على حماسه العتيق والمتجدّد، وهو في الثمانين من عمره متّعه الله بالصحة، في صيانة اللغة العربية وخدمتها بالإفادة من مختلف الممكنات الحاسوبية. وإذا كان قد أحرز جوائز وتكريماتٍ عربية (جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، وجائزة الإنجاز المتميز في التعريب، و... إلخ)، فإن جهوده ومنجزاته التي لا تتوقف تستحقّ، دائما، كل تثمين، وقبله وبعده، الإضاءة الإعلامية والتعريف الدائم بها، فالملحوظ أنها تحتاج ترويجا لازما. عدا عن أن قصة النجاح الفريدة التي يمثلها شخصُ هذا الرجل المؤمن بأمته، والمثقف المخلص للغته وبلده، والرائد المجرّب الذي غالب تحدّياتٍ عسيرةً وهزمها، والكاتب الأديب (ليس ذائعا أن له ثلاث مجموعات قصص قصيرة منشورة)، تستحقّ أن توثّق بمختلف الصيغ الإعلامية، وأن تتعرّف عليها الأجيال الناشئة والناهضة، سيما وأنها أجيال الكمبيوتر والفضاء الرقمي، ومحمد الشارخ رائدٌ عربيٌّ نادر في هذا. وربما لا يعرف بعضنا إن من أولى استثمارات شركته "صخر" إنتاج ألعاب "أتاري" للأطفال، وإصدار عدّة برامج للأطفال، يسّرت كثيرا من الإمتاع والفائدة والمعرفة .. تحيّتان إلى محمد الشارخ وتلفزيون العربي.