مجلس الجامعة العربية والأمن القومي
عقد المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية في الدوحة، الأسبوع المنصرم، اجتماعا تشاوريا لمناقشة قضايا راهنة، وفي مقدمتها العدوان الإسرائيلي على المقدّسات الإسلامية في القدس وحي الشيخ جرّاح ونتائج حرب إسرائيل أخيرا على قطاع غزة، ومناقشة نتائج الطلب من محكمة الجنايات الدولية التحقيق في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. كما تدارس الاجتماع التطورات المتلاحقة في كل من السودان ولبنان والأزمة السورية والتعاون العربي في مواجهة جائحة كوفيد 19، واتخاذ التدابير اللازمة للحد من انتشار الوباء. وبناء على طلب مصر والسودان، عقد المجلس اجتماعا موازيا غير عادي، لبحث تطوّرات أزمة سد النهضة الإثيوبي، والذي قد يلحق أضرارا بأمن مصر والسودان المائي والبيئي. كما أن الملف النووي الإيراني، ومفاوضات فيينا بشأنه والسلوك الإيراني في المنطقة لم يكن بعيدا عن أعمال وزراء الخارجية العرب. وقد عبر وزير خارجية مصر، سامح شكري، عن عظيم شكر بلاده وامتنانه لوزارة الخارجية القطرية لاستضافة الجلسة الحوارية التشاورية بشأن سد النهضة. وكانت دولة قطر التي ترأس الدورة الحالية للمجلس الوزاري قد طلبت انعقاد الاجتماعات في الدوحة حيث شارك 17 وزيرا.
(2)
يلفت النظر في الاجتماع كثرة مرّات استخدام مصطلح "الأمن القومي العربي"، والذي في تقدير الكاتب لم يعد قائما على مستوى الأمة من المحيط إلى الخليج العربي، كما أنه لم يعد هناك أمن وطني قُطري إلا اذا كان مرتبطا بطرف أجنبي آخر.
ليس من قطرٍ عربيٍّ إلا ما ندر لا يعيش في أزمة، ويحتاج تضامنا عربيا، ويشمله الأمن القومي العربي
إذا نظرنا إلى واقعنا اليوم، لا نجد أثرا لمفهوم التضامن العربي، فهذا قطاع غزة يعيش حصارا شاملا من دول عربية وإسرائيل منذ أكثر من 15 عاما، وبعض قادته وأحزابه مصنفون عند بعض القادة العرب إرهابيين، ولا توجد دولة عربية متضامنة مع أهل قطاع غزة (أكثر من مليوني نسمة) سوى دولة قطر التي ما برحت تُعينهم بالمال والتأييد السياسي في المحافل الدولية والعربية. وقد دعا مجلس وزراء الإعلام العرب، في اجتماعات دورته الـ51 في القاهرة الأربعاء الماضي، إلى إطلاق حملات إعلامية عربية طوال العام، بهدف مناصرة القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها الدفاع عن القدس.
يا للهول! دول عربية تطبّع، بل تمارس ما هو أكثر من التطبيع مع إسرائيل، وإعلامها منخرط في الدعاية السياحية لصالح إسرائيل ومعاداة المقاومة الفلسطينية، ويناشدها وزراء الإعلام مناصرة القضية الفلسطينية إعلاميا. أليس الأجدر أن يُطلب من تلك الدول أن تشترط على إسرائيل مقابل التطبيع الاستجابة للمبادرة العربية للسلام وإزالة المستوطنات وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أملاكهم؟ كذلك مطالبة الدول االعربية المطبّعة أن تشترط في استمرارية عملية التطبيع وقف الاعتداءات الإسرائيلية على الأماكن المقدسة، وكفّ تجبّر المستوطنين المسلحين على الشعب الفلسطيني وحرق مزارعهم وهدم منازلهم.
عندما يتفرّق العرب ويضعفون، تستقوي الدول عليهم وتبتزّهم، فكونوا يداً واحدة
أين الأمن القومي العربي، وهذا لبنان يحترق ويتناهشه القوم من الداخل والخارج، ولا صوت عربيا يعمل لإنقاذه من الهلاك؟ هذه سورية دمرتها الحرب الجوية والبحرية الروسية، والقوة البرية الإيرانية وحكم طاغ، والشعب العربي فيها يعيش في أسوأ ظروف الحياة. وثمّة حال اليمن الذي لا حول له ولا قوة، دول عربية تنهشه وتمزّق وحدته وتتطاول على شعبه، وتستولي على الأرض النافعة فيه. والعراق حدّث ولا حرج، وكذا ليبيا والسودان. بمعنى آخر، ليس من قطرٍ عربيٍّ إلا ما ندر لا يعيش في أزمة، ويحتاج تضامنا عربيا، ويشمله الأمن القومي العربي.
(3 )
وفي نهاية اجتماع المجلس الوزاري العربي في الدوحة، أقر الجميع بأن الأمن المائي لمصر والسودان جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي. وهنا يجدر أن نتساءل: أين الأمن القومي العربي من هيمنة الفرس والروس على الأراضي السورية؟ وما يحل بالعراق وليبيا واليمن؟ وماذا عن خسارة العراق نحو 80% من المياه المتدفقة إليه من إيران، بعد قطعها 35 رافدا مائيا رئيسيا، وأنها تخطط لبناء سدود جديدة لحجب المياه عن العراق. إيران، وفي صمت عربي رهيب، حولت رافدين كبيرين مائيين عن العراق، هما رافد لاوند ورافد كارون، الأمر الذي ألحق أضرارا بالغة بالمساحات الزراعية في البصرة وواسط وديالى والسليمانية. وفي عام 2011، قرّرت إيران بناء 152 سدا لمنع وصول المياه الى العراق. والأمر ينطبق على تركيا التي تعمل على تنفيذ مشروع الغاب الذي ستشيد خلاله 22 سدا في هضبة الأناضول على روافد دجلة والفرات (أزمة مياه في العراق https://www.noonpost.com/content/29205). وماذا عن الأردن وسرقة إسرائيل مياه نهر الأردن، والحق أن الأمن القومي العربي جزء لا يتجزأ.
(4)
معروفٌ أن العراق وسورية يعتمدان اعتمادا كبيرا على نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من الأراضي التركية. ويُلاحظ أن دولا عربية تعمل على استعداء تركيا، فيما هذه الدولة، في تقدير الكاتب، هي الحصن الحصين الذي يمكن الاعتماد عليه عربيا في الأزمات، وخصوصا في ما يتعلق بالمياه والدفاع. وهناك ضغوط على الحكومة التركية الراهنة، والتي يقودها حزب العدالة والتنمية، في ما يتعلق بالعلاقة مع العرب، وخصوصا في مجال الماء، شريان الحياة لأكثر من 60 مليون عربي في العراق وسورية. والانفتاح على تركيا الراهنة يشد من ساعد الأمن القومي العربي، ولن يخل بأمن أي دولة عربية. يجدر أن نلاحظ أنه عندما كان النظام العربي بعافيته، في معظم سنين النصف الثاني من القرن العشرين، لم تجرؤ دول كثيرة، فتتطاول على مصالح العالم العربي. قضية إثيوبيا ونزوعها إلى استخدام موارد نهر النيل كانت في ذاكرة الإثيوبيين، منذ ما قبل الإمبراطور هيلا سيلاسي، وعندما تربع الإمبراطور على العرش، لم يحرك ساكنا في مجرى النهر، لأن حكما قوميا وطنيا كان في القاهرة، ويشدّ من أزره تضامن عربي متماسك، وكذلك الحال بين العراق وإيران. ثم عندما دبّ الضعف في القاهرة ودمشق وبغداد، استقوى الفرس والأحباش على أمتنا العربية.
آخر القول: عندما يتفرّق العرب ويضعفون، تستقوي الدول عليهم وتبتزّهم، فكونوا يدا واحدة، كي يهابكم العدو ويحترمكم الصديق.