متى تُنهي حماس احتلالها فلسطين وتعود إلى أوروبا؟
أعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن، عن مقترحٍ بشأن غزّة، وُصِفَ بأنّه اقتراحٌ إسرائيلي بالأساس، ثم خرجَ رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، ليعلنَ رفضه أهم ما اشتمل عليه المقترح، وأن الرئيس الأميركي لم يكن دقيقًا في عرضه، ما يعني أحد احتمالين: إمّا أنّ بايدن كاذب أو أنّ نتنياهو يكذب.
لا غرابة في ذلك كله، الغريب حقًا أن يكتسبَ كلّ هذا الهُراء قداسةً ومشروعيةً، إذ يتحوّل المقترح "الإسرائيلي" إلى نصٍّ مقدّسٍ عند عديد الدول العربية الدائرة في فلكِ السياسة الأميركية، كما يكتسبُ صفةَ المشروعية الدولية باعتماده قرارًا لمجلس الأمن، يتحتّم على الجميع الانصياع له.
مدهشٌ أن يصبح مقترحٌ غير محدّد الهوية، وغير مكتمل الصياغة، مشروعَ قرارٍ أمميّاً ملزماً للشعب الفلسطيني بأن يُلقي سلاحه ويذهب راكعاً إلى مفاوضاتٍ تتجاهل أهم محدّداته الوطنية الأساسية وأبسط حقوقه، المتمثّلة في الوقف الدائم لإطلاق النار وانسحاب العدو من كامل قطاع غزّة.
الأكثر مدعاة للدهشة أنّ العالمَ يرضخُ لابتزازِ السرديّة الأميركية، ويردّدُ أنّ "حماس" هي الطرف المُعَطّل لوقف القتال في غزّة، وكأنّ فعل المقاومة صار مرادفًا للعدوان، أو كأنّ مجتمع الكيان الصهيوني باتَ صاحب الأرض والشعب الفلسطيني هو الاحتلال، بحسب مضمون التصريحات اليوميّة التي يُطلقها وزير الخارجية الأميركي الصهيوني الوفي، أنتوني بلينكن، مرّة من القاهرة وأخرى من عمّان، والتي يكرّر فيها أنّ "حماس" هي السبب الرئيس لكلّ مشكلات الشرق الأوسط، وأنّها العقبة الوحيدة أمام استقرار المنطقة، حين يقول بوقاحة يُحسَد عليها إنّها الطرف الوحيد الرافض للتهدئة. وتجعل هذه الوقاحة تجعل عضو مجلس الحرب الصهيوني المستقيل، بني غانتس، يعلن بكلّ ثقةٍ بعد لقائه بلينكن: "شدّدتُ، على أهمية ممارسة أقصى قدر من الضغط على الوسطاء من أجل إقناع حماس بالموافقة على مقترح التبادل الذي اقترحته إسرائيل".
بعيدًا عن أنّ هذا التصريح يعيد التأكيد أنّ المقترح المُقدّس، عربيّاً ودوليّاً، صناعة إسرائيلية، إلا أنّه يبدو معه وكأنّ الضغط على حركة حماس عن طريق الوسطاء للرضوخ باتَ خطّةَ عملٍ تلتزم بها الأطراف العربية التي يصنّفها بلينكن "شركاء واشنطن بالمنطقة"، فلا يذهب بيان الخارجية المصرية بعيداً عن هذا حين يشدّد في منطوقه على "اتخاذ خطوات جادة تجاه إتمام صفقة (مقترح بايدن) في أسرع وقت وبدء تنفيذ بنودها من دون تأخير أو مشروطية". هذا يعني ضمنًا الاستجابة للرغبة الأميركية الإسرائيلية في الضغطِ على المقاومة الفلسطينية، لكي تتخلّى عن شرطيها: الوقف الدائم للقتال والانسحاب الكامل من القطاع.
يتعامى العالم عن المذابح الإسرائيلية اليوميّة بحقّ الشعب الفلسطيني، والتي تتم بدعمٍ ومشاركةٍ كامليْن من الولايات المتحدة، ويُمارس التضليل والكذب باتهام المقاومة بأنّها تحول دون وقف سفك الدماء الفلسطينية، ولا يلتفت إلى أنّ جريمة الحرب الأحدث، والتي حصدت 274 شهيداً في مجزرة النصيرات جرت بالمشاركة الأميركية الكاملة، بحسب ما كشفت عنه تل أبيب أمس بشأن استقبالها قائد القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) الجنرال، مايكل إريك كوريلا، نهاية الأسبوع الماضي، لوضع خطّة مذبحة مخيم النصيرات التي اتخذت اسماً آخر زائفاً هو "عملية استعادة أربعة من الأسرى الصهاينة" واحتفل بنجاحها بايدن ونتنياهو.
تقول كلّ معطيات المشهد الراهن إنّنا بصددِ جهدٍ دولي لإسباغِ قداسةٍ على جريمةٍ مكتملة الأركان، مفتوحة النهاية تدخل شهرها التاسع، يُرادُ لها أن تتّخذ صفة المشروعية (من خلال مجلس الأمن). وفي المقابل تسقط تعريف قضيّة الشعب الفلسطيني بوصفها قضيّة احتلال إسرائيلي ومقاومة مشروعة ومستحقّة لهذا الاحتلال، وكأنّ المجتمع الدولي الذي أقرّ باغتصاب فلسطين في العام 1947 يعود إلى تزوير التاريخ وتصوير المقاومة الفلسطينية الطرف الغريب على فلسطين، وكأنّها يد شريرة جمعتها من الأزقةِ المظلمة في مدن أوروبا وشحنتها عبر البحر إلى غزّة وفرضتها استعماراً عدوانيّاً للأرض العربية، وعليها الآن أن تُنهي احتلالها أرضِ فلسطين وتعود إلى حيث جاءت، وتترك الصهيوني يعيش بسلام، مُحاطاً بسخاء عرب بايدن.