ماكرون والاستثمار في الإسلاموفوبيا
بعد أربعة أعوام في الحكم، تبيّن أن الرئيس الفرنسي الحالي، إيمانويل ماكرون، ضحل ثقافيا. ويتفوق بذلك على الرئيس الأسبق، نيكولا ساركوزي، الذي كان يفاخر بأنه لا يعرف الثقافة الفرنسية، وجاهر مرّة بأنه لم يقرأ الروائي ستاندال الذي يعد أحد كبار الكلاسيكيين الفرنسيين. ولا تقف أمية ماكرون عند فقره الثقافي، بل تتجاوزه إلى السياسة، وهو الذي قبل أن يصل إلى الرئاسة لم يكن أكثر من مصرفي طموح. ويحدّد اليوم مواقفه مجموعة من المستشارين الذين يتصف بعضهم بالسطحية، مثل ملهمه في شؤون الإسلام الكاتب جيل كيبيل الذي يرى أن المسلمين خطر على المجتمع الفرنسي والقيم الأوروبية، ويدعو إلى فرض معاملةٍ تمييزيةٍ تجاههم وفصلهم ونزعهم عن باقي فئات المجتمعات الأوروبية، مع إحكام القبضة الأمنية عليهم، لحظر تحكم الإسلاميين في النظام السياسي لدول أوروبا، سيما فرنسا، وكل ما ورد على لسان ماكرون بخصوص الإسلام، كديانة "مأزومة" والمسلمين كجالية "انفصالية"، تعود جذوره إلى كتابي كيبيل "ضواحي الإسلام" و"الخروج من الفوضى" اللذين يفصل بينهما قرابة ثلاثة عقود. ولكنهما يدعوان إلى إعلان "إسلامٍ فرنسيّ جديدٍ"، يُحلل أتباعه من القيم الدينية، ويُقاس بقيم الجمهورية الفرنسية.
ويقدّم ماكرون نفسه صاحب مشروع لإعادة هيكلة الإسلام وإصلاحه تحت عنوان محارة "الانفصالية الإسلامية"، سوف يطبقه في فرنسا، ومن ثم يعمّمه على أوروبا والعالم، كون فرنسا تضم أكبر جالية إسلامية في أوروبا، حوالي ستة ملايين، وثاني ديانة بعد المسيحية الكاثوليكية، ولكن تناوله الإسلام على نحو سطحي واستفزازي ينم عن جهلٍ بهذا الدين، بل إن التصريحات التي دأب على إطلاقها، منذ اغتيال المدرس الفرنسي، صموئيل باتي، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لا تعدو أن تكون نوعا من الاستثمار في الحدث بلغةٍ لا تختلف عن التي درج عليها خطاب اليمين المتطرّف والشعبوي، والذي يصنّف الإسلام في خانة العداء للقيم الغربية والعلمانية والديمقراطية. وعوضا عن أن يقدّم ماكرون نفسه رئيسا لكل الفرنسيين، فإنه تحوّل، في فترة، إلى ناشط سياسي يردّد كليشيهاتٍ يجري تداولها في وسائل التواصل، والتي تحفل بكلامٍ غثّ ولغة عدائية وصور نمطية عن الإسلام والمسلمين في أغلب الأحيان. ومن الواضح أن ما يحرّك ماكرون هو الاستثمار السياسي في الإسلاموفوبيا التي صارت موضةً أوروبية دارجة، ولكن حقوق الملكية الفكرية مسجّلة بأسماء ساسة فرنسيين من اليمين المتطرّف، في وقتٍ يدافع عن الإسلام عدد لا يستهان به من المفكرين المرموقين، ويقدّمونه من منظور مختلف، ومن هؤلاء فرانسوا بورغا وأوليفييه روا.. إلخ.
الإسلام ليس في أزمة، هو مثل كل الديانات الأخرى، بل ماكرون هو المأزوم، والذي تكبر أزمته كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية التي تصادف بعد حوالي عام. ولذلك يبدو على عجلة من أمره، لتفعيل مشروعه عن "الانفصالية الإسلامية" لحصد أصوات اليمين المتطرّف، بعد أن فشل في تقديم حلولٍ لمشكلاتٍ تقع في صلب اختصاصه، وهو الاقتصاد، والذي انتخبه الشعب على أمل أن يحمل مشروعا جديدا، ويتفرّغ لمعالجة هذا الملف، كرئيس شاب جاء من وسط عالم المال والمصارف، ولكنه انصرف إلى العمل السياسي الصرف فتبيّن مدى عجزه. وهو بالمقارنة مع رؤساء فرنسا الذين سبقوه يكاد يكون الوحيد الذي تقترب ولايته الرئاسية من نهايتها من دون إنجاز شخصي. وسجلت إدارته جائحة كورونا فشلا ذريعا، وليس مصادفة أن فرنسا هي الوحيدة من بين الدول الكبرى التي لم تصل إلى إنتاج لقاحها الخاص، بعد أن كانت الأولى عالميا ضمن هذا الميدان.