ماذا لو طال الاعتداء الصهيوني؟

ماذا لو طال الاعتداء الصهيوني؟

12 أكتوبر 2023

دخان يتصاعد من غزّة بعد قصف إسرائيلي (11/10/2023/Getty)

+ الخط -

تدور نقاشاتٌ عديدةٌ فلسطينيةٌ وإقليميةٌ حول عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها فصائل المقاومة الفلسطينية العاملة في قطاع غزّة، إذ تجمع معظم تلك النقاشات على أهمّية وقف الاعتداء الصهيوني على قطاع غزّة في أقرب وقتٍ ممكن، خصوصًا بعدما نجحت فصائل المقاومة في تحقيق جملةٍ من المكاسب السياسية والأمنية واللوجسيتية، التي يمكن لفصائل المقاومة استثمارها في نجاحٍ اقتصاديٍ وإعلاميٍ مديدٍ. لكن وعلى الرغم من صحّة تلك التمنيات، إلّا أنّها تقفز فوق جزئيةٍ حاسمةٍ هنا، تتمحور حول الرغبة؛ أو بالأصح الاستعداد الصهيوني لقبول هدنةٍ مع فصائل المقاومة الآن، في ظلّ موازين القوى التي فرضها الـ 7 من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

حدّدت فصائل المقاومة الفلسطينية مطالبها للتهدئة بوضوحٍ شديدٍ، من خلال تصريحاتٍ عديدةٍ تنوّعت بين قيادتها السياسية والعسكرية، يمكن اختزالها بثلاثة شروطٍ أساسيةٍ: وقف العدوان الصهيوني على قطاع غزّة وساكنيه، وقف الاعتداءات الصهيونية المتكرّرة على الضفّة الغربية المحتلة والمسجد الأقصى والقدس والمقدّسات الدينية الإسلامية والمسيحية، تبيض السجون، أيّ إطلاق سراح كلّ الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال، والتي يُفترض بها أن تشمل كذلك أسرى أو معتقلي الداخل الفلسطيني، المعروفين بـ فلسطينيي 48، كما حدّدت فصائل المقاومة شرطًا وحيدًا لبدء مباحثات التهدئة يتمثّل في وقف العدوان الصهيوني.

إذًا بادرت فصائل المقاومة إلى فتح باب التفاوض مبكّرًا، على الرغم من إدراكها أنّ هناك اختلافًا كبيرًا بين فتح باب التفاوض والبدء به، فالبدء بالتفاوض يتطلّب قبولاً ثنائيًا وضغطًا دوليًا وإقليميًا غير مسبوقٍ، خصوصًا بعد تكبّد الاحتلال خسائر جمّةً على الأصعدة البشرية والأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والمعنوية والاستراتيجية، فخسائر العدو كثيرةٌ يصعب حصرها جميعها، بل إنّها مهولةٌ قيمةً وعددًا، وهو ما يدفعه إلى رفض مسار التفاوض حاليًا، كما صرح بذلك على لسان مسؤوليه الأمنيين والسياسيين، وكما سُرّب إعلاميًا عن الاتصالات المصرية التي حصرت المطلب الصهيوني بضمان سلامة رهائنها، المترافق مع تأكيد قادة الاحتلال رفضهم التحدث بخصوص الهدنة في الوقت الراهن.

يبدو احتمال الاجتياح البرّي الصهيوني قطاع غزة واردًا جدًا، بل يمكن القول مرجّحًا، فالاحتلال يبحث حاليًا عن الانتقام من شعب فلسطين أولًا، وعن الحد من خسائره الفادحة ثانيًا

على المستوى الإنساني؛ لا يمكن الجدال بشأن قدرات الاحتلال الإجرامية، التي اختبرها شعب فلسطين الأصلي على مدار السنوات الـ 75 الماضية، من جريمة التطهير العرقي إلى العقاب الجماعي مرورًا بالفصل العنصري والتهجير القسري. كما يعلم شعب فلسطين الأصلي امتلاك الاحتلال الوسائل التقنية والعسكرية، التي تمكّنه من تنفيذ هذه الجرائم بسلاسةٍ منقطعة النظير، بدعمٍ أميركيٍ وأوروبيٍ واضحٍ وفجٍ، عبر أحدث الطائرات الحربية، والطائرات من دون طيار، وأحدث الدبابات، ومختلف أنواع القذائف والصواريخ بعيدة ومتوسطة وقريبة المدى، والتي تندرج في معظمها ضمن قائمة الأسلحة المحرّمة دوليًا، نظرًا إلى احتوائها على عناصر إشعاعية أو كيميائية ذات تأثيراتٍ تدميريةٍ مهولةٍ. ليس ذلك فحسب؛ بل يمارس الاحتلال جرائمه ضدّ الإنسانية بحقّ شعب فلسطين وأرضها يوميًا غير عابئٍ بالقانون الدولي، والمحاسبة القانونية، بل وحتّى المحاسبة الأخلاقية والإعلامية، نظرًا إلى الحماية الأميركية والغربية الصارمة والقاطعة، وهو ما انعكس في ملاحقة الأصوات الداعية إلى محاسبة الاحتلال على جرائمه المستمرّة واليومية، كما في هجوم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على منظّمة العفو الدولية، وكما في إصرار المعسكر الغربي؛ بقيادة أميركا، على إدانة وملاحقة حركة المقاطعة قانونيًا.

إذًا نحن أمام آلةٍ إجراميةٍ متطوّرة وقادرة فوق المحاسبة والقانون، لا تخشى من أيّ ملاحقةٍ، كما لا تخشى من نضوب مخزونها الإجرامي، نتيجة استعداد أميركا والمعسكر الغربي لمدّها بشتى أنواع الأسلحة المدمرة والمحرّمة دوليًا، وهو ما يجعل من استعدادها للمضي في حملةٍ إجراميةٍ غير مسبوقةٍ جديدةٍ أمرًا لا مفرّ منه للأسف، بل يمكن القول إنّ شهيتها مفتوحةٌ لذلك، بل وتصر على المضي في ذلك المسار، كما يصرّ الاحتلال الصهيوني على المضي في ذلك المسار اليوم، نظرًا إلى اعتباره أنّ خسائره التي خسرها في الـسابع من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي لا يمكن إحصاؤها، وأنّها قد بلغت مستوى مرتفعًا وباهظًا جدًا يصعب على قادة الاحتلال التنبؤ بزيادته كثيرًا، حتّى لو ذهب الاحتلال إلى اجتياحٍ بريٍ واسع النطاق على قطاع غزّة.

نجاح فصائل المقاومة في اختيار زمان المواجهة ومكانها ومسارها لا يعني قدرتها على اختيار موعد انتهائها وكيفيته

من هنا، يبدو احتمال الاجتياح البرّي الصهيوني واردًا جدًا، بل يمكن القول مرجّحًا، فالاحتلال يبحث حاليًا عن الانتقام من شعب فلسطين أولًا، وعن الحد من خسائره الفادحة ثانيًا، حتّى لو انحصر ذلك على المستوى المعنوي فقط، إذ قد يتعرّض الاحتلال لخسائر بشريةٍ كبيرة في حال مضيه في خيار الاجتياح البرّي، لكنه يأمل في ضعضعة سيطرة حركة حماس على قطاع غزّة، ولم لا يحلم بإنهائها، كما قد يسعى الاحتلال إلى تطهير القطاع عرقيًا وتهجير سكّانه قسريًا، عبر إجبارهم على اللجوء إلى مصر، كما قد يسعى إلى توجيه ضربة استباقية للجبهة اللبنانية، تتضمّن فعليًا ضربةً للنفوذ الإيراني في المنطقة.

إذًا، لن يذهب الاحتلال نحو تهدئةً مع فصائل المقاومة الفلسطينية حاليًا، بسبب طبيعته الإجرامية أولًا، ونظرًا إلى حجم خسائره المهولة ثانيًا، وهو ما يضعنا ويضع فصائل المقاومة أمام خياراتٍ محدودةٍ وواضحةٍ، أولها تنويع النضال التحرّري الفلسطيني على المستويْين المكاني والنوعي، وثانيها تقويض حصانة الاحتلال على المستوى الشعبي العالمي، عبر فضح جرائمه المستمرّة بحق شعب فلسطين وأرضها، فالاحتلال جريمةٌ مستمرةٌ بحقّ الإنسانية جمعاء، وثالثها الضغط على المجتمع الدولي لمنعه من المضي في دعم الاحتلال وجرائمه ضدّ الإنسانية من دون حسيبٍ أو رقيبٍ، مستفيدين من الظرف الدولي، ومن الصراع الناشب على قيادة العالم بين أميركا والمعسكر الغربي من جهة، والصين وروسيا من جهةٍ أخرى.

طبعًا، لا يعني ذلك رفض مسار التهدئة المحتملة أنيًّا أو مستقبليًا، بقدر ما يعني أنّ المضي في ذلك المسار مشروطٌ بإجبار قادة الاحتلال الصهيوني على المضي به، خصوصًا بعد تأكيد فصائل المقاومة استعدادها للمضي به، وآخرها عبر تصريحات عضو المكتب السياسي لحركة حماس، موسى أبو مرزوق. وعليه علينا أن نضغط بالاتجاه الصحيح، كما علينا أن ندرك أنّ نجاح فصائل المقاومة في اختيار زمان المواجهة ومكانها ومسارها لا يعني قدرتها على اختيار موعد انتهائها وكيفيته.

75812723-2689-4553-B56D-72CE271905DB
حيّان جابر
كاتب فلسطيني، مشارك في إعداد ملحق فلسطين.